الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5872 ص: فكان من حجتنا للآخرين في ذلك : أنه لو لم يكن روي عن رسول الله -عليه السلام - في العمرى حديث غير حديث أبي سلمة هذا ; لكان فيه أكبر الحجة للذين يقولون أن العمرى لا ترجع إلى المعمر أبدا ولا يجوز شرطه ، وذلك أن العمرى لا تخلو من أحد وجهين :

                                                إما أن تكون داخلة في قول النبي -عليه السلام - : "المسلمون عند شروطهم " فينفذ للمعمر فيها الشرط على ما شرطه لا يبطل من ذلك شيء ، كما تنفذ الشروط من الموقف فيما يوقف .

                                                أو تكون خارجة من ملك المعمر داخلة في ملك المعمر فتصير بذلك في سائر ماله .

                                                ويبطل ما شرطه عليه فيها ، فنظرنا في ذلك ، فإذا العمرى إذا أوقعت على أنها للمعمر ولعقبه فمات وله عقب وزوجة أو أوصى بوصايا ، أو كان عليه دين ; أن

                                                [ ص: 387 ] تلك الأشياء تنفذ فيها كما تنفذ في ماله ، ولا يمنعها الشرط الذي كان من المعمر في جعله إياها له ولعقبه ، وزوجته ليست من عقبه ولا غرماؤه ولا أهل وصاياه ، وكذلك لو مات المعمر ولا عقب له لم يرجع بشيء من ذلك إلى المعمر ، فلما كان ما وصفنا كذلك كانت كذلك أبدا تجوز على ما جعلها عليه المعمر ، ويبطل شرطه الذي اشترطه فيها فلا ينفذ منه قليل ولا كثير ، وتخرج من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "المسلمون عند شروطهم " فتكون شروطها ليست من الشروط التي عناها النبي -عليه السلام - .

                                                وهذا القول الذي صححناه هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله - .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي : فكان من دليلنا وبرهاننا لأهل المقالة الثانية في ما ذكروا : أنه أي أن الشأن لو لم يكن روي عن النبي -عليه السلام - غير حديث أبي سلمة عن جابر هذا المذكور أي لكان فيه أكبر الحجة لأهل المقالة الثانية ، ثم بين ذلك بقوله : "وذلك أن العمرى . . . . " إلى آخره ، وهو ظاهر .

                                                قوله : "لا ترجع إلى المعمر " بكسر الميم الثانية .

                                                قوله : "في الموقف " بكسر القاف ، فاعل من الإيقاف ، من أوقف ، وهذه لغة ردية ، واللغة الفصيحة : يوقف يقف وقفا ، قال الجوهري : وقفت الدار للمساكين وقفا وأوقفتها -بالألف - لغة ردية ، وليس في الكلام "أوقفت " إلا حرف واحد ، وأوقفت عن الأمر الذي كنت فيه أي أقلعت .

                                                قوله : "من ملك المعمر " بكسر الميم الثانية .

                                                قوله : "داخلة في ملك المعمر " بفتح الميم الثانية ، وكذلك قوله : "على أنها للمعمر " ، والميم تكسر وتفتح بحسب المعنى ولا يظهر ذلك إلا بالتأمل .




                                                الخدمات العلمية