الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7091 7092 7093 7094 7095 7096 ص: فإن قال قائل : فقد قال رسول الله -عليه السلام - : "الشؤم في الثلاث " .

                                                قيل له : قد روي ذلك عن النبي -عليه السلام - على ما ذكرت :

                                                حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، : قال : أخبرني يونس ، ومالك ، عن ابن شهاب ، عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر ، عن ابن عمر ، عن رسول الله -عليه السلام - قال : " إنما الشؤم في ثلاثة : في المرأة والدار والدابة " .

                                                حدثنا يزيد بن سنان ، قال : ثنا القعنبي ، قال : ثنا مالك ، عن ابن شهاب . . . . فذكر بإسناده مثله .

                                                [ ص: 110 ] حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن ابن شهاب . . ... ، فذكر بإسناده مثله .

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا أبو اليمان ، قال : أنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني سالم ، أن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله -عليه السلام - يقول : . . . . فذكر مثله .

                                                حدثنا يزيد ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : أخبرني عتبة بن مسلم ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن رسول الله -عليه السلام - مثله .

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال : إنكم قلتم : إنا منعنا من الأسباب التي تكون عنها الطيرة مطلقا ، وقد جاء عن النبي -عليه السلام - أنه قال : "الشؤم في الثلاث وهي : المرأة والفرس والدار " فلم تكن الطيرة منفية من كل وجه .

                                                والتحقيق في الجواب ما أذكره لك ; لأن الطحاوي ما أمعن فيه ، فيقول : إن النبي -عليه السلام - نهى عن الطيرة مطلقا وعدها من الشرك ، ثم قال : إن كان الشؤم -وهو التطير - ففي ثلاث ، يعني لو كان الشؤم يكون في شيء من اعتقادكم بهن لكان في هذه الثلاث ولم يكن في هذه الثلاث شؤم ، فلا يكون في شيء شؤم ; فافهم .

                                                والدليل على صحة هذا الكلام : أنه -عليه السلام - لم يخبر أن الشؤم حاصل في هذه الثلاث ، بل قال : "إن كان الشؤم ، ففي ثلاث " .

                                                فإن قيل : ما تقول في رواية : "إنما الشؤم في ثلاثة " وقد أخبر بطريق الحصر أن الشؤم موجود في ثلاثة أشياء ؟ .

                                                قلت : هذا ليس على ظاهره ; وقد كان ابن مسعود يقول : "إن كان الشؤم في شيء فهو فيما بين اللحيين -يعني اللسان - وما شيء أحوج إلى سجن طويل من لسان " .

                                                وإنما قلنا : إنه متروك الظاهر ; لأجل قوله -عليه السلام - : "لا طيرة" وهي نكرة في سياق النفي فتعم سائر الأشياء التي يتطير بها ، ولو قلت : الكلام على ظاهره لكانت هذه الأحاديث ينفي بعضها بعضا ، وهذا محال أن يظن بالنبي -عليه السلام - مثل هذا الاختلاف من النفي والإثبات في شيء واحد ووقت واحد .

                                                [ ص: 111 ] والمعنى الصحيح في هذا الباب نفي الطيرة بأسرها بقوله : "لا طيرة" وهو أشبه بأصول شريعة النبي -عليه السلام - من حديث الشؤم ، ألا ترى أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تنكر حديث الشؤم وتقول : إنما حكاه رسول الله -عليه السلام - عن أهل الجاهلية وأقوالهم فيكون قوله -عليه السلام - : "إنما الشؤم في ثلاثة " بطريق الحكاية عن أهل الجاهلية ; لأنهم كانوا يعتقدون الشؤم في هذه الثلاث ، لا أن معناه أن الشؤم حاصل في هذه الثلاث في اعتقاد المسلمين . وكانت عائشة - رضي الله عنها - تتقي الطيرة ولا تعتقد منها شيئا حتى قالت : لنسوة كن يكرهن الابتناء بأزواجهن في شوال : "ما تزوجني رسول الله -عليه السلام - إلا في شوال ، ولا بنى بي إلا في شوال ، فمن كان أحظى مني عنده ؟ وكان يستحب أن يدخل على نسائهن في شوال " .

                                                وعن أبي حسان : "أن رجلين دخلا على عائشة - رضي الله عنها - وقالا : إن أبا هريرة يحدث عن النبي -عليه السلام - أنه قال : إنما الطيرة في الفرس والمرأة والدار ، فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض ، ثم قالت : كذب والذي أنزل الفرقان على من حدث عنه بهذا ، ولكن رسول الله -عليه السلام - كان يقول : كان أهل الجاهلية يقولون : الطيرة في المرأة والدار والدابة ، ثم قرأت عائشة - رضي الله عنها - : ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب " .

                                                وهنا جواب آخر : وهو أنه قد يحتمل أن يكون قوله -عليه السلام - : "الشؤم في ثلاثة " كان في أول الإسلام ; خبرا عما كان تعتقد العرب في جاهليتها على ما قالت عائشة - رضي الله عنها - ثم نسخ ذلك وأبطله القرآن والسنن ، وأخبار الآحاد لا يقطع على عينها وإنما توجب العمل فقط ، وقال تعالى : قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وقال ما أصاب من مصيبة في الأرض الآية ، وما خط في

                                                [ ص: 112 ] اللوح المحفوظ لم يكن منه بد ، وليست البقاع ولا الأنفس بصانعة شيئا من ذلك . فهذا هو الاعتقاد الذي يجب على العبد أن يعتقده ، ويسلم أمره إلى الله تعالى ، ويترك القطع على الله بالشؤم في شيء ، وقد يقال : إن شؤم المرأة أن تكون سيئة الخلق ، أو غير قانعة ، أو تكون سليطة ، أو تكون غير ولود .

                                                وشؤم الفرس أن يكون شموسا ، وقيل : أن لا يكون يغزى عليها .

                                                وشؤم الدار أن تكون ضيقة ، وقيل : أن يكون جارها سوءا .

                                                فإن قيل : لم خصص -عليه السلام - هذه الثلاث ؟

                                                قلت : لما ذكرنا عن عائشة من أن أهل الجاهلية كانوا يعتقدون حقيقة الشؤم في هذه الثلاث ; فلذلك نص -عليه السلام - على هذه الثلاث دون غيرها ; حكاية عن اعتقادهم ذلك .

                                                فإن قيل : روى مالك في "موطإه " عن يحيى بن سعيد أنه قال : "جاءت امرأة إلى رسول الله -عليه السلام - فقالت : يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير والمال وافر ; فقل العدد وذهب المال ، فقال رسول الله -عليه السلام - : دعوها ذميمة " .

                                                قلت : إنما قال ذلك كذلك لما رآه منهم وأنه رسخ في قلوبهم ما كانوا عليه في جاهليتهم ، وكان رءوفا بالمؤمنين بأخذ عفوهم شيئا فشيئا ، وهكذا كان نزول الفرائض والسنن ، حتى استحكم الإسلام وكمل ولله الحمد ، ثم بين رسول الله -عليه السلام - بعد ذلك لأولئك الذين قال لهم : "اتركوها ذميمة " ولغيرهم ولسائر أمته الصحيح بقوله : "لا طيرة ولا عدوى " وبالله التوفيق .

                                                وقال الخطابي : يحتمل أن يكون أمرهم بتركها والتحول عنها إبطالا لما وقع منها في نفوسهم من أن يكون المكروه إنما أصابهم بسبب الدار وسكناها ، فإذا تحولوا منها انقطعت مادة ذلك والوهم .

                                                [ ص: 113 ] قلت : الحديث المذكور الذي رواه مالك أخرجه أبو داود مسندا : ثنا الحسن بن يحيى أبو علي ، قال : ثنا بشر بن عمر ، قال : ثنا عكرمة بن عمار ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك قال : "قال رجل : يا رسول الله ، إنا كنا في دار كثير فيها عددنا ، وكثير [فيها] أموالنا ، فتحولنا إلى دار أخرى ، قل فيها عددنا ، وقلت والذميمة وقلت أموالنا ، فقال رسول الله -عليه السلام - : ذروها ذميمة " والذميمة فعيلة بمعنى مفعولة ، أي اتركوها مذمومة .

                                                ثم إنه أخرج حديث ابن عمر من خمس طرق صحاح :

                                                الأول : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي ومالك بن أنس ، كلاهما عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري . . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه مسلم : عن أبي الطاهر وحرملة عن ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله -عليه السلام - قال : "لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاث : المرأة والفرس والدار " .

                                                وأخرجه أيضا : عن القعنبي ، عن مالك . . . . إلى آخره نحوه .

                                                الثاني : عن يزيد بن سنان القزاز -شيخ النسائي - عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، شيخ البخاري ومسلم وأبي داود ، عن مالك ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر ، عن ابن عمر ، عن رسول الله -عليه السلام - .

                                                [ ص: 114 ] وأخرجه مسلم : عن القعنبي ، عن مالك نحوه .

                                                الثالث : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، شيخ البخاري ، عن عبد الملك بن جريج ، عن محمد بن شهاب الزهري . . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه مسلم : عن يحيى بن يحيى وعمرو الناقد وزهير بن حرب ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي -عليه السلام - من غير ذكر حمزة .

                                                الرابع : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أبي اليمان الحكم بن نافع -شيخ البخاري - عن شعيب بن أبي حمزة ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر .

                                                وأخرجه مسلم نحوه : عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، عن سالم .

                                                وأخرجه البخاري أيضا .

                                                الخامس : عن يزيد بن سنان القزاز ، عن سعيد بن أبي مريم المصري شيخ البخاري ، عن محمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري المدني ، عن عتبة بن مسلم التيمي المدني ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه عبد الله بن عمر ، عن النبي -عليه السلام - .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا أبو بكر بن إسحاق ، قال : أنا ابن أبي مريم ، قال : ثنا سليمان بن بلال ، قال : ثنا عتبة بن مسلم ، عن حمزة بن عبد الله ، عن أبيه ، أن رسول الله -عليه السلام - قال : "إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس والمسكن والمرأة " .




                                                الخدمات العلمية