الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6131 6132 ص: فكان من حجتنا على الذين احتجوا بهذه الآثار لأهل المقالة الأولى : أن هذه لم يرد بها الشهادة على الحقوق ، وإنما أريد بها الشهادة في الأيمان ، وقد روي ما يدل على ذلك عن إبراهيم النخعي . .

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا عبد الله بن رجاء ، قال : أنا شيبان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله قال : " قلنا يا رسول الله ، أي الناس خير ؟ قال : قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ، . قال إبراهيم : : كان أصحابنا ينهوننا ونحن غلمان أن نحلف بالشهادة والعهد " .

                                                فدل هذا من قول إبراهيم أن الشهادة التي ذم النبي -عليه السلام - صاحبها هو قول الرجل : أشهد بالله بما كان كذا ، على معنى الحلف ، فكره ذلك كما يكره الحلف ، فإنه مكروه للرجل الإكثار منه وإن كان صادقا ، فنهى عن الشهادة التي هي حلف كما نهى عن اليمين إلا أن يستحلف بها ، فيكون حينئذ معذورا ، ولعله أن يكون أراد بالشهادة التي ذكرنا الحلف بها على ما لم يكن ، لقوله : "ثم يفشو الكذب " فتكون تلك الشهادة شهادة كذب .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي فكان من دليلنا وبرهاننا على القوم [الذين] احتجوا بالأحاديث المذكورة التي رويت عن عمر بن الخطاب وعمران بن الحصين وأم سلمة وأبي هريرة وسعد بن تميم وعبد الله بن مسعود وبريدة الأسلمي والنعمان بن بشير - رضي الله عنهم - . وأشار بذلك إلى الجواب عما قاله أهل المقالة الثانية من الاستدلال بالأحاديث المذكورة فيما ذهبوا إليه ، وبيانه أن يقال : استدلالكم بهذه الأحاديث غير تام ولا مطابق لمدعاكم ; لأن المراد من هذه الشهادة هي الشهادة في الأيمان لا الشهادة في الحقوق ، والدليل على ذلك : قول إبراهيم النخعي : "كان أصحابنا ينهوننا ونحن

                                                [ ص: 478 ] غلمان أن نحلف بالشهادة
                                                " ، وهو أن يقول الرجل : أشهد بالله ما كان كذا أو كان كذا على قصد اليمين ، فكره هذا كما يكره اليمين ، فإنه لا شك أنه يكره للرجل الإكثار من اليمين وإن كان صادقا ; لأن فيه استخفافا باسم الله تعالى ، فدل ذلك أن المراد هي الشهادة التي هي حلف فنهى عن ذلك كما نهى عن اليمين اللهم إلا إذا استحلف الرجل بالشهادة ; فإن ذلك لا يدخل في هذا الباب لأنه معذور في ذلك .

                                                ثم إسناد حديث إبراهيم صحيح .

                                                وشيبان هو ابن عبد الرحمن التميمي النحوي البصري ، روى له الجماعة .

                                                ومنصور هو ابن المعتمر .

                                                وعبيدة -بفتح العين - وقد مر ذكره آنفا .

                                                وأخرجه الطبراني عن أبي مسلم الكشي ، عن عبد الله بن رجاء عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي ، عن منصور . . . . إلى آخره .




                                                الخدمات العلمية