الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7118 7119 ص: وقالوا : هذا الحديث الذي احتج به علينا مخالفنا إنما هو عن ابن عمر موقوف وليس عن النبي -عليه السلام - .

                                                فذكروا ما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : أنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : ثنا مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر مثله . ولم يذكر عن النبي -عليه السلام - .

                                                فأما ما ذكروا من قول الله -عز وجل - : فليغيرن خلق الله فقد قيل : تأويله ما ذهبوا إليه ، وقيل : إنه دين الله -عز وجل - ، وقد رأينا رسول الله -عليه السلام - ضحى بكبشين موجوءين ، وهما المرضوض خصاهما ، والمفعول به ذلك فقد انقطع أن يكون له نسل ، فلو كان إخصاؤهما مكروها لما ضحى بهما رسول الله -عليه السلام - لينتهي الناس عن ذلك فلا يفعلوه ; لأنهم متى علموا أن ما أخصي يجتنب ويتجافى ; أحجموا عن ذلك فلم يفعلوه ، ألا ترى أن عمر بن عبد العزيز ، - رضي الله عنه - فيما روينا عنه في باب : ركوب البغال : "أنه أتي بعبد خصي ليشتريه فقال : ما كنت لأعين على الإخصاء " فجعل ابتياعه إياه عونا على إخصائه ; لأنه لولا من يبتاعه لأنه خصي لم يخصه من أخصاه ، فكذلك إخصاء الغنم لو كان مكروها لما ضحى رسول الله -عليه السلام - بما قد أخصي منها ،

                                                [ ص: 136 ] ولا يشبه إخصاء البهائم إخصاء بني آدم ; لأن إخصاء البهائم إنما يراد به ما ذكرنا من سمانتها وقطع عضها ; فذلك مباح ، وبنو آدم فإنما يراد بإخصائهم المعاصي فذلك غير مباح ، ولو كان ما روينا في أول هذا الباب صحيحا لاحتمل أن يكون أريد به الإخصاء الذي لا يبقى معه شيء من ذكور البهائم حتى يخصي ، فذلك مكروه ; لأن فيه انقطاع النسل ، ألا تراه يقول في ذلك الحديث : "منها نشأت الخلق " أي فإذا فعل لم ينشأ شيء من ذلك الخلق ، فذلك مكروه ، فأما ما كان من الإخصاء الذي لا ينقطع معه نشء الخلق ; فهو بخلاف ذلك .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قال الآخرون ، وهذا جواب عن الحديث الذي احتج به أهل المقالة الأولى ، بيانه : أن الحديث الذي احتجوا به أصله موقوف على ابن عمر ولا يصح رفعه عن النبي -عليه السلام - ، أخرج ذلك الطحاوي عن محمد بن خزيمة ، عن يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر .

                                                ولم يذكر عن النبي -عليه السلام - ، فإذا كان كذلك فلا تقوم به الحجة ، ولئن سلمنا صحة رفعه فهو ضعيف الإسناد ; فلا يصح الاحتجاج به .

                                                قوله : "فأما ما ذكروا من قول الله -عز وجل - . . . . " إلى آخره . جواب عن احتجاجهم بقوله تعالى : فليغيرن خلق الله بيان ذلك أنهم اختلفوا في تأويله ; فقد قال بعضهم : تأويله ما ذكره أهل المقالة الأولى، وقال الآخرون : المراد به دين الله تعالى ، روى ذلك البيهقي في "سننه " من حديث ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : "يعني الفطرة الدين " .

                                                وروى أيضا من حديث المغيرة عن إبراهيم قال : يعني دين الله . وروي أيضا نحو ذلك عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة .

                                                [ ص: 137 ] قوله : "وقد رأينا رسول الله -عليه السلام - . . . . " إلى آخره . ذكره شاهدا لما ذهب إليه أهل المقالة الثانية ; وتصديقا لما ادعوه ، وهو ظاهر .

                                                قوله : "ولا يشبه إخصاء البهائم . . . . " إلى آخره جواب عن سؤال مقدر ، تقريره أن يقال : يكره إخصاء البهائم كما يكره إخصاء بني آدم بالإجماع ، والعلة قطع النسل وتعذيب الحيوان بلا فائدة ، فأجاب عنه بقوله : "ولا يشبه . . . . " إلى آخره ، وهو ظاهر .

                                                قوله : "ولو كان ما روينا في أول هذا الباب . . . . " إلى آخره . جواب آخر عن حديث ابن عمر المذكور في صدر الكتاب بطريق التسليم ، وتقريره أن يقال : وإن سلمنا أن هذا الحديث مرفوع وأنه صحيح الإسناد ، ولكنه محمول على معنى غير ما فهمه الخصم وهو قوله : "لاحتمل أن يكون أريد به . . . " إلى آخره ، وهو ظاهر .




                                                الخدمات العلمية