الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب العاشر في أسئلة المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواعا من الآيات وخرق العادات على وجه العناد لا على وجه الهدى والرشاد

                                                                                                                                                                                                                              فلهذا لم يجابوا إلى كثير مما سألوا لعلم الله سبحانه وتعالى أنهم لو عاينوا أو شاهدوا ما أرادوا لاستمروا في طغيانهم يعمهون ولظلوا في غيهم وضلالهم يترددون ، فقد كانوا رأوا من دلائل النبوة ما فيه شفاء لمن أنصف .

                                                                                                                                                                                                                              قال الله تعالى : أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم [العنكبوت 51] .

                                                                                                                                                                                                                              وفي هذا المعنى قيل :


                                                                                                                                                                                                                              لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بداهته تنبيك بالخبر

                                                                                                                                                                                                                              قال الله تعالى : ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى كما طلبوا وحشرنا جمعنا عليهم كل شيء طلبوه ، قبلا بكسر القاف وفتح الباء أي معاينة ، فنصبه مصدر في موضع الحال ، وبضمها جمع قبيل أي فوجا فوجا ، فنصبه حال من "كل" وإن كان نكرة نافية من العموم ، أي : ولو جئناهم بالملائكة قبيلا قبيلا وبما طلبوا ورأوا ذلك معاينة ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله استثناء منقطع أو متصل أي ما كانوا ليؤمنوا إلا في حال مشيئة الله ولكن أكثرهم أي الكفار يجهلون . فيحلفون أنهم يؤمنون عند نزول الآيات . أو المؤمنون يجهلون أن الكافرين لا يؤمنون فيطلبون نزول الآيات ليؤمنوا .

                                                                                                                                                                                                                              قال في الروض : وكان سؤالهم تلك الآيات جهلا منهم بحكمة الله تعالى في امتحانه الخلق وتعبدهم بتصديق الرسل وأن يكون إيمانهم عن نظر وفكر في الأدلة ، فيقع الثواب على حسب ذلك ، ولو كشف الغطاء وحصل لهم العلم الضروري لطلب الحكمة التي من أجلها يكون الثواب والعقاب إذ لا يؤجر الإنسان على ما ليس من كسبه كما لا يؤجر على ما خلق فيه من لون وشعر ونحو ذلك ، وإنما أعطاهم من الدليل ما يقتضي النظر فيه العلم الكسبي .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس أن أشراف قريش من كل قبيلة اجتمعوا عند غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، ثم قال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه . فبعثوا إليه فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا ، وهو يظن أن [ ص: 339 ] قد بدا لهم فيما يكلمهم فيه بداء ، وكان حريصا عليهم يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم ، حتى جلس إليهم فقالوا : يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنكلمك ، وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة وسفهت الأحلام ، وفرقت الجماعة ، فما بقي أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك . أو كما قالوا له . فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت إنما تريد به الشرف فينا فنحن نسودك علينا ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك- وكانوا يسمون التابع من الجن رئيا- فربما كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك .

                                                                                                                                                                                                                              فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بي ما تقولون ، ما جئت به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ، ولكن الله تعالى بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم . أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              قالوا : يا محمد إن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضنا لك فإنك قد علمت أنه ليس أحد أضيق بلدا ولا أقل مالا ولا أشد عيشا منا ، فاسأل لنا ربك أنهارا كأنهار العراق والشام ، وليبعث لنا من مضى من آبائنا ، وليكن ممن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب ، فإنه كان شيخ صدق فنسألهم عما تقول : أحق هو أم باطل ، فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا منزلتك من الله وأنه بعثك إلينا رسولا كما تقول .

                                                                                                                                                                                                                              فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بهذا بعثت لكم ، إنما جئتكم من الله بما بعثني به وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم ، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم .

                                                                                                                                                                                                                              قالوا : فإذا لم تفعل فخذ لنفسك ، سل ربك يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك ، وسله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي ، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس الرزق وتلتمس المعاش كما نلتمسه ، حتى نعرف فضلك ومنزلتك إن كنت رسولا .

                                                                                                                                                                                                                              فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنا بفاعل ، ما أنا بالذي سأل ربه هذا وما بعثت إليكم بهذا ، ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا أو كما قال . فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم . [ ص: 340 ]

                                                                                                                                                                                                                              قالوا : فأسقط السماء علينا كسفا كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ، فإنا لا نؤمن لك إلا أن تفعل .

                                                                                                                                                                                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك إلى الله عز وجل ، إن شاء أن يفعله بكم فعله .

                                                                                                                                                                                                                              قالوا : يا محمد فما علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه ونطلب إليك ما نطلب فيتقدم إليك فيعلمك ما تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به؟ إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له : الرحمن ، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدا فقد أعذرنا إليك يا محمد ، وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى نهلكك أو تهلكنا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال قائلهم : نحن نعبد الملائكة وهي بنات الله . وقال قائلهم : لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلا .

                                                                                                                                                                                                                              فلما قالوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قام عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أميمة بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم ، وهو ابن عمته وهو لعاتكة بنت عبد المطلب ، وأسلم بعد ذلك رضي الله تعالى عنه ، فقال : يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ، ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله تعالى كما تقول ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعل ، ثم سألوك أن تأخذ لنفسك ما يعرفون به فضلك عليهم ومنزلتك من الله فلم تفعل ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل . أو كما قال له . فوالله لا أومن بك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما ثم ترقى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيها ثم تأتي بصك معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول وايم الله إن لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك ، ثم انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزينا آسفا لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه ، لما رأى من مباعدتهم إياه .

                                                                                                                                                                                                                              فلما قام عنهم قال أبو جهل : يا معشر قريش إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وشتم آلهتنا ، وإني أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر ما أطيق حمله . أو كما قال . فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه فأسلموني عند ذلك أو امنعوني ، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم . قالوا : والله لا نسلمك لشيء أبدا فامض لما تريد .

                                                                                                                                                                                                                              فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا كما وصف ، ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره ، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو وكان بمكة وقبلته إلى الشام ، وكان إذا صلى صلى بين الركنين ، الركن اليماني والحجر الأسود ، وجعل الكعبة بينه وبين الشام ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 341 ] يصلي وقد غدت قريش وجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل ، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع مهزوما منتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره حتى قذف بالحجر من يده .

                                                                                                                                                                                                                              وقامت إليه رجال من قريش فقالوا : ما بك يا أبا الحكم ؟ قال : قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة ، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل لا والله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط ، فهم بي أن يأكلني .

                                                                                                                                                                                                                              فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذاك جبريل لو دنا لأخذه
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : وأنزل الله تعالى فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وبعث من مضى من آبائهم : ولو أن قرآنا سيرت نقلت به الجبال عن أماكنها أو قطعت شققت به الأرض فجعلت أنهارا وعيونا أو كلم به الموتى بأن يحيوا وجواب لو محذوف اكتفي بمعرفة السامعين مراده وتقديره : لكان هذا القرآن أو وهم يكفرون بالرحمن وإن أجيبوا إلى سؤالهم من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى بل لله الأمر أي أمر خلقه جميعا فيتصرف فيهم كيف يشاء .

                                                                                                                                                                                                                              وأنزل أيضا : وما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحها أهل مكة إلا أن كذب بها الأولون لما أرسلناها فأهلكناهم ولو أرسلناها إلى هؤلاء لكذبوا بها واستحقوا الإهلاك ، وقد حكمنا بإمهالهم لإتمام أمر محمد صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : وأنزل الله سبحانه وتعالى في قولهم : خذ لنفسك سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك إلى آخره : وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا هلا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا يصدقه أو يلقى إليه كنز من السماء ينفقه ولا يحتاج إلى المشي في الأسواق لطلب المعاش أو تكون له جنة بستان يأكل منها أي من ثمارها فيكتفي بها وفي قراءة : نأكل بالنون أي نحن فيكون له علينا مزية بها . وقال الظالمون أي الكافرون للمؤمنين : إن ؛ ما تتبعون إلا رجلا مسحورا مخدوعا مغلوبا على عقله .

                                                                                                                                                                                                                              قال تعالى : انظر كيف ضربوا لك الأمثال بالمسحور والمحتاج إلى ما ينفقه وإلى ملك يقوم معه بالأمر فضلوا بذلك عن الهدى فلا يستطيعون سبيلا طريقا إليه تبارك تكاثر خير الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك الذي قالوا من الكنز والبستان جنات تجري من تحتها الأنهار أي في الدنيا ؛ لأنه شاء أن يعطيه إياها في الآخرة . ويجعل لك قصورا أيضا إلى قوله تعالى : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق فأنت مثلهم في ذلك وقد قيل هم كما قد قيل لك وجعلنا بعضكم لبعض فتنة بلية ابتلي بها الغني بالفقير والصحيح . [ ص: 342 ]

                                                                                                                                                                                                                              بالمريض والشريف بالوضيع يقول الثاني في كل : ما لي لا أكون كالأول في كل ، أتصبرون على ما تسمعون ممن ابتليتم بهم ، استفهام بمعنى الأمر أي اصبروا ، وكان ربك بصيرا بمن يصبر وبمن يجزع .

                                                                                                                                                                                                                              وأنزل الله تعالى فيما قال عبد الله بن أبي أمية - وقد تقدم أنه أسلم بعد : وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا عينا ينبع منها الماء أو تكون لك جنة بستان من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها وسطها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا قطعا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا مقابلة وعيانا فنراهم . أو يكون لك بيت من زخرف ذهب أو ترقى تصعد في السماء بسلم ولن نؤمن لرقيك لو رقيت فيها حتى تنزل علينا منها كتابا فيه تصديقك نقرؤه ، قل لهم : سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا كسائر الرسل والبشر ولم يكونوا يأتون بآية إلا بإذن الله .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : وأنزل الله تعالى في قولهم فيما قد بلغنا : إنما يعلمك رجل باليمامة يقال له الرحمن : ولن نؤمن به أبدا ، يعنون به مسيلمة بن حبيب الحنفي ، روى وثيمة بن موسى عن سعيد بن المسيب أن مسيلمة تسمى بالرحمن في الجاهلية قبل أن يولد عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم ، كان من المعمرين : كذلك : أي مثل إرسالنا الرسل قبلك يا محمد أرسلناك ، ثم بين المرسل إليهم فقال : في أمة قد خلت مضت من قبلها أمم لتتلو لتقرأ عليهم الذي أوحينا إليك من القرآن وشرائع الإسلام وهم يكفرون بالرحمن ، قل لهم يا محمد الرحمن الذي أنكرتم معرفته : هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب توبتي ومرجعي .

                                                                                                                                                                                                                              وأنزل الله تعالى فيما عرضوا عليه من أموالهم : قل ما سألتكم على الإنذار والتبليغ من أجر فهو لكم أي لا أسألكم عليه أجرا إن أجري ما ثوابي إلا على الله ، وهو على كل شيء شهيد مطلع يعلم صدقه .

                                                                                                                                                                                                                              وأنزل الله تعالى فيما قال أبو جهل وما هم به : أرأيت في مواضعها الثلاثة للتعجب الذي ينهى هو أبو جهل عبدا هو النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى أرأيت إن كان أي المنهي على الهدى أو للتقسيم أمر بالتقوى أرأيت إن كذب أي الناهي النبي وتولى عن الإيمان . ألم يعلم بأن الله يرى ما يصدر منه أي يعلمه فيجازيه عليه .

                                                                                                                                                                                                                              أي : أعجبت منه يا مخاطب ، من حيث نهيه عن الصلاة ، ومن حيث أن المنهي على الهدى آمر بالتقوى ، ومن حيث أن الناهي مكذب متول عن الإيمان .

                                                                                                                                                                                                                              كلا : ردع له ، لئن : لام قسم ، لم ينته عما هو عليه من الكفر [ ص: 343 ] لنسفعا بالناصية لنجرن بناصيته إلى النار ناصية بدل نكرة من معرفة كاذبة خاطئة وصفها بذلك مجازا والمراد صاحبها . فليدع ناديه أي أهل ناديه وهو المجلس ينتدى أي يتحدث فيه القوم . وكان قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما انتهره حيث نهاه عن الصلاة : لقد علمت ما بها أكثر ناديا مني لأملأن عليك هذا الوادي إن شئت خيلا جردا ، ورجالا مردا .

                                                                                                                                                                                                                              سندع الزبانية الملائكة الغلاظ الشداد لإهلاكه ، في الحديث : لو دعا ناديه لأخذته الزبانية عيانا .

                                                                                                                                                                                                                              كلا : ردع له ، لا تطعه يا محمد في ترك الصلاة واسجد صل لله واقترب منه بطاعته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى وأبو نعيم عن الزبير بن العوام رضي الله تعالى قال : لما نزلت : وأنذر عشيرتك الأقربين صاح رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي قبيس : يا آل عبد مناف إني نذير . فجاءته قريش فحذرهم وأنذرهم قالوا : تزعم أنك نبي يوحى إليك ، وإن سليمان سخر له الريح والجبال ، وإن موسى سخر له البحر ، وإن عيسى كان يحيي الموتى ، فادع الله أن يجعل هذه الصخرة التي تحتك ذهبا فننحت منها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف فإنك تزعم أنك كهيئتهم . فبينا نحن حوله إذ نزل عليه الوحي فلما سري عنه قال : والذي نفسي بيده لقد أعطاني ما سألتم ولو شئت لكان ، ولكنه خيرني بين أن تدخلوا باب الرحمة فيؤمن منكم وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم فتضلوا عن باب الرحمة ولا يؤمن منكم ، فاخترت باب الرحمة فيؤمن منكم ، وأخبرني إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم به يعذبكم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين .

                                                                                                                                                                                                                              فنزلت : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون حتى قرأ ثلاث آيات . ولو أن قرآنا سيرت به الجبال الآية
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والنسائي والحاكم والضياء في صحيحه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعون ، فأتاه جبريل فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك : إن شئت أصبح الصفا لهم ذهبا فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، وإن شئت [ ص: 344 ] فتحت لهم باب التوبة والرحمة ، قال : أي رب باب الرحمة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : إن شئت أن تستأني بهم وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا فإن كفروا أهلكتهم كما أهلكت من قبلهم من الأمم . قال : لا بل أستأني بهم . فأنزل الله : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن جرير عن قتادة قال : قال أهل مكة فذكر نحوه وفيه : فأتاه جبريل فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك ولكنه إن كان ثم لم يؤمنوا لم ينظروا ، وإن شئت استأنيت بقومك . قال : بل أستأني بقومي ، فأنزل الله تعالى : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون الآية .

                                                                                                                                                                                                                              وأنزل الله تعالى : ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية