الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن تدارك عليه رميان في أيام منى ابتدأ الأول حتى يكمل ، ثم عاد فابتدأ الآخر ، ولم يجزه أن يرمي بأربع عشرة حصاة في مقام واحد " .

                                                                                                                                            [ ص: 202 ] قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا تدارك عليه رمي يومين كالرعاة وأهل السقاية إذا تركوا رمي الحادي عشر وأرادوا الرمي في الثاني عشر ، وكمن ترك الرمي عامدا أو ناسيا في الحادي عشر وجوزنا له القضاء على أحد القولين في الثاني عشر أو تدارك عليه رمي ثلاثة أيام ، وذلك أن يترك رمي الحادي عشر والثاني عشر ويريد القضاء في الثالث عشر ، فينبغي له أن يرتب فيبدأ برمي اليوم الأول ثم يرمي اليوم الثاني ، ثم يرمي اليوم الثالث ؛ ليكون مرتبا كرميه في أيامه وفي هذا الترتيب قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في القديم والأم : إنه واجب .

                                                                                                                                            والثاني : وهو قوله في الإملاء : إنه مستحب ، وليس بواجب : وهذان القولان مبنيان على اختلاف قوليه إذا رمى عن اليوم الأول في اليوم الثاني هل يكون أداء أو قضاء فأحد قوليه يكون أداء ، فعلى هذا الترتيب واجب كصلاتي الجمع ؛ لما كانتا إذا وجب الترتيب ، والثاني : فيهما يكون قضاء فعلى هذا الترتيب مستحب وغير واجب كالصلوات الفوائت لما كانت قضاء لم يجب الترتيب فيها ، فإذا قلنا : إن الترتيب غير واجب وهو أظهر القولين عندي ؛ لأن الترتيب إنما يجب في أحد موضعين إما بين أشياء مختلفة كالجمار الثلاث وكالأعضاء في الطهارة ورمي اليومين غير مختلف : لأن رمي الأول كرمي اليوم الثاني ، ويكون واجبا فيما يجب تعيين النية فيه فيصير كالمختلف باختلاف النية فيه وتعيين النية في رمي الجمار غير واجب ، لأن أفعال الحج لا يفتقر كل فعل منها إلى نية ، بل إذا وجب الفعل على الصفة الواجبة أجزأه عن الفرض فعلى هذا القول إذا ابتدأه فرمى عن اليوم الثاني ثم عن اليوم الأول أجزأه عنهما جميعا ، وإذا قلنا : إن الترتيب واجب فخالف فرمى عن اليوم الثاني ، ثم عن اليوم الأول لم يجزه الرمي عن اليوم الثاني لمخالفة الترتيب ، وهل يجزئه عن اليوم الأول على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وبه قال أبو إسحاق المروزي لا يجزئه ؛ لأنه وضع قصده في غير موضعه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن رمي اليوم الأول يجزئه ، وهو الصحيح ولا أعرف للأول وجها ؛ لأن القصد فيه صحيح وليس وجود ما قبله من الرمي الذي لا يعتد به قادحا في صحته ، كما لو رمى عابثا ؛ ولأن ترتيب الأيام على هذا القول واجب كما أن ترتيب الجمرات واجب ، ثم ثبت أنه لو نكس رمي الجمار اعتد له بالجمرة الأولى ، وكذلك إذا نكس رمي الأيام وجب أن يعتد له باليوم الأول والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية