الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن وقت له وقتا فأحرم قبله فقد زاده وإن تجاوزه قبل أن يحرم فرجع محرما أجزأه وإن لم يرجع فعليه دم من ماله ويرد من الأجرة بقدر ما ترك وما وجب عليه من شيء يفعله فمن ماله دون مال المستأجر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد ذكرنا حكم الإجارة على الحج وما يحتاج إلى تعيينه في العقد فإذا تضمن العقد تعيين الأربعة التي ذكرنا فخالف الأجير فيها فخلافه إن تعين له ميقاتا فيحرم من غيره ، أو تعين له نسكا فيحرم بغيره ، أو تعين له عاما فيحرم بغيره أو تعين له شخصا فيحرم عن غيره فيبدأ بالميقات ، وإن كان تقديم غيره أليق ؛ لأنه متصور المسألة فإذا عين له موضع الإحرام لم يخل حال ذلك الموضع من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            إما أن يكون من ميقات البلد ، أو قبل ميقات البلد ، أو بعد ميقات البلد ، فإن كان من ميقات البلد فهو الموضع الذي لا تجوز مجاوزته ولا يلزمه تقدمه ، وعلى المستأجر أن يحرم منه وإن كان قبل ميقات البلد فقد لزم الأجير الإحرام منه بالعقد وإن لم يكن جائزا بالشرع والإجارة صحيحة : لأن العمل معلوم وإن أحرم الأجير من ميقات البلد كان حسنا وبالزيادة متطوعا وقد سقط بها عن المستأجر دما وإن أحرم بعد الميقات من الموضع الذي أمره فقد فعل ما لزمه بالعقد دون الشرع وعلى المستأجر دم لمجاوزة الميقات دون الأجير ؛ لأن الأجير قد فعل ما لزمه بالعقد والمستأجر تارك لما لزمه بالشرع فلذلك وجب الدم على المستأجر دون الأجير . فإذا تقرر ما ذكرنا من أحكام هذه المواضع الثلاثة لم يخل حال الأجير من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يحرم من الموضع الذي أمر به فقد أدى ما وجب عليه .

                                                                                                                                            والثاني : أن يحرم قبله فقد أدى الواجب وتطوع بالزيادة .

                                                                                                                                            والثالث : أن يحرم بعده فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يعود محرما إلى الموضع الذي أمر بالإحرام منه فهذه مسألة الكتاب والكلام فيها يشتمل على فصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : وجوب الدم بالمجاوزة .

                                                                                                                                            والثاني : رد ما قابل ذلك من الأجرة .

                                                                                                                                            فأما الفصل الأول في وجوب الدم فهو مبني على تعيين المواضع الثلاثة :

                                                                                                                                            أحدها : أن يأمره بالإحرام قبل الميقات فيحرم بعده ؛ كأنه أمره بالإحرام من البصرة فلم يحرم منها وأحرم بعدها إما من ميقات البصرة أو قبل ميقات البصرة أو بعد ميقات البصرة [ ص: 262 ] فكله سواء والحج مجزئ وعلى الأجير دم لتركه الإحرام من الموضع الذي أمر بالإحرام منه ، فإذا قيل إنما يجب الدم فيمن جاوز ميقات الشرع فأما إذا لم يجاوز ميقات الشرع وإنما جاوز العقد المستحق ميقاتا بالإجارة فلا يوجب دما ، قيل : الدم قد يجب لمجاوزة ميقات الشرع وغيره إذا كان واجبا عليه ؛ ألا ترى أن من نذر الإحرام من البصرة . فأحرم بعدها لزمه دم لمجاوزتها : لأنه قد أوجب على نفسه الإحرام منها ؟ كذلك الأجير قد أوجب على نفسه بعقد الإجارة الإحرام من الموضع الذي أمر بالإحرام منه فإذا جاوزه غير محرم لزمه دم .

                                                                                                                                            والثاني : أن يأمره بالإحرام من الميقات فيحرم بعده فالحج مجزئ وعلى الأجير دم وهذا أولى بالإيجاب ؛ لأنه قد جاوز الميقات اللازم بالشرع والعقد معا .

                                                                                                                                            والثالث : أن يأمره بالإحرام بعد الميقات فيحرم بعد ذلك الموضع ؛ كأنه أمره بالإحرام بعد الميقات بفرسخ فأحرم بعد الميقات بفرسخين فالواجب في ذلك دمان : دم على المستأجر لمجاوزة ميقات الشرع ، ودم على الأجير لمجاوزة ميقات العقد ، فهذا الكلام في وجوب الدم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية