الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فإذا تقرر ما ذكرنا من قدر المضمون من الدية ، لم يخل حال الزيادة التي تعلق الضمان بها من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون الإمام قد أمر بها فيكون الضمان على الإمام دون الجلاد ، وأين يكون ضمانه ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون ضمانه على عاقلته : لأنه من خطئه ، قد أمر عمر عليا رضي الله عنهما في التي أجهضت بإرهابها جنينها أن يقسم دية جنينها على قومه من قريش : لأنهم عاقلة عمر .

                                                                                                                                            فعلى هذا : تكون الكفارة في ماله : لأن العاقلة لا تحمل الكفارة ، وإن حملت الدية .

                                                                                                                                            القول الثاني : أن ما لزمه من الدية يكون في بيت المال : لأنه نائب عن كافة المسلمين فاقتضى أن يكون ضمانه في بيت مالهم ، كالوكيل الذي يضمن ما فعله عن موكله في مال موكله ، وإنما ضمن عمر جنين المرأة على عاقلته : لأنه أرهبها في تهمة لم تتحقق عنده ، فعدل بالضمان لأجل ذلك عن بيت المال إلى عاقلته ، فعلى هذا : في الكفارة وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : في بيت المال ، تعليلا بما ذكرنا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : في ماله : لأن الكفارة لا تحتمل ، وكذلك إذا تحملت العاقلة الدية لم تتحمل الكفارة ، وقد حكى ابن أبي هريرة عن بعض أصحابنا في ضمان الإمام وجها ثالثا : أنه يضمن فيما يعود نفعه على المضمون ، كتعزير من عزر نفسه أو قدح في عرضه ، فديته على عاقلة الإمام دون بيت المال .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن تكون الزيادة من فعل الجلاد ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون الإمام قد فوضه إلى رأيه ، ووكله إلى اجتهاده ، فيكون خطؤه فيه كخطأ الإمام ، فيكون فيما يلزمه من الدية قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : على عاقلته .

                                                                                                                                            والثاني : في بيت المال : لأنه قد صار بالتفويض في حكم الإمام .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون الإمام قد أمره بالحد وحدده ، فزاد الجلاد عليه ، [ ص: 419 ] فيضمنه الجلاد على عاقلته قولا واحدا : لحدوثها عن تعديه .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن تكون الزيادة مشتركة بين الإمام والجلاد ، كأن أمره بأن يحده ثمانين فحده مائة ، فمات . فإن قيل : إن الضمان مقسط على أعداد الضرب ، ضمن الإمام خمس الدية : لأن ضمان الإمام تعلق بأربعين من جملة مائة . وضمن الجلاد خمس الدية : لأن ضمانه بعشرين من مائة . فإن قيل : إن الضمان مقسط على النوع ، فقد اختلف أصحابنا في زيادة الإمام والجلاد ، هل تتنوع أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : تتنوع ، فيكون الحد نوعا لا يتعلق به ضمان ، وزيادة الإمام نوعا يتعلق به الضمان ، وزيادة الجلاد نوعا يتعلق به الضمان ، فتسقط ثلث الدية ، ويجب على الإمام ثلثها ، وعلى الجلاد ثلثها : لاختلاف الإمام والجلاد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا تتنوع الزيادة ، وإن اختلف فاعلها لتساويها في تعلق الضمان بها ، فتسقط نصف الدية ويضمن الإمام ربعها ، والجلاد ربعها ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية