الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه الخامس: أن يقال: قولك: وإن لم يفعل ثم فعل فلا بد من حدوث ما ينبغي فعله، أو عدم ما لا ينبغي، ويعود الكلام إليه ولا يقف. غايته أنه يستلزم امتناع كونه صار فاعلا بعد أن لم يكن، وهذا لازم لك.

لكن نقول: لم قلت: إنه لم يزل يفعل شيئا بعد شيء؟

فإن قلت: هذا يستلزم تسلسل الحوادث، وتسلسل الحوادث شيئا بعد شيء جائز عندكم. فبتقدير أنه لا يزال يفعل شيئا بعد شيء كان كل ما سواه حادثا مع التسلسل الجائز، وذلك جائز عندك. وهو موجب دليلك.

فإن كان باطلا بطل مذهبك. وإن كان حقا، فيقال: ما المانع أن يفعل ما لم يكن فاعلا لحدوث حادث، وذلك موقوف على حادث آخر لا إلى نهاية، وتكون تلك الحوادث صادرة عنه؟

ثم يقال: إما أن يكون كل ما حدث يجوز حدوثه بلا فعل يقوم به، أو لا بد من فعل يقوم به. وعلى التقديرين لا يلزم صحة قولك. [ ص: 226 ]

فإن قلت: مقصودي أنه لم يزل فاعلا وقد حصل، قيل: لا يلزم أن يكون فاعلا لمعقول معين. بل ولا يلزم أن يكون هو الفاعل على قولك. فإنك تجوز حدوث جميع الحوادث من غير أمر يحدث فيه ومنه، وعندك يحدث الحادث المخالف لما قبله كالطوفان وغيره، من غير أن يحدث منه ما لم يكن حدث قبل ذلك، فأنت تجوز حدوث جميع الحوادث من غير أن يحدث منه شيء يخص حادثا من الحوادث.

التالي السابق


الخدمات العلمية