الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
التـفـاعـل الحـضـاري

والتفاعل الحضاري ضرورة إنسانية، لا بد منها لقيام الحضارات، وتقدم الإنسان، في كل ما من شأنه أن يأخذ بيد الإنسان، ويشيع في المجتمعات الإنسانية السلام والأمن.

أما الانغلاق الحضاري، فهو قاتل للإنسان. والتبعية الحضارية هـي الأخرى قاتلة لكل إبداع، ولا بد من حوار الحضارات. وإذا تأملنا في حال الأمة الإسلامية وجدنا أنها -من وجهة نظرنا- محاصرة بين غربتين : غربة زمان، وغربة مكان.

أما غربة الزمان، فهي بعد الأمة عن ماض حضاري مشرق، لم تعد تربطها به عوامل الثقافة الفاعلة أو البانية.

وأما غربة المكان، فهي بعد الأمة عن وضع حضاري معاصر. [ ص: 129 ]

تجهل عنه كل شيء. مما مثل فجوات حضارية كبرى، ليس من السهل على الأمة الإسلامية تجاوزها أو تجاهلها.

ولذلك كان لا بد لهذه الأمة أن تعود إلى التفاعل الحضاري، وتستفيد من حضارات الإنسانية. ولا بد من خروج الأمة الإسلامية من الاغتراب الزماني والاغتراب المكاني، وذلك بالربط بين الواقع والثوابت الحضارية الإسلامية، وبين مصادر عوامل التقدم المعاصر.

وليس هـناك من وسيلة للربط غير الدين، والعلم، والحياة، في إطار من حرية الفكر، وسياسة عقلانية للتقدم، وتسامح مستنير [1] . فإن فعلت الأمة ذلك، كان ذلك بداية في طريق حضاري.

والتقدم البشري في مختلف المراحل والمجالات، ليس إلا حصيلة الإبداع الفكري والتعاون، والاحتكاك بين المجتمعات.

ولا عيب أن نأخذ من حضارات الأمم ما يفيدنا. ولكن العيب أن نظل عالة على أمم الأرض، نأخذ منها ولا نعطي.

ويجدر أن ندرك أن الانغلاق ليس بالموقف اللائق بالعقلاء. ولا التبعية الحضارية بمفيدة، أو ملائمة لمن يمتلكون خصوصية حضارية إسلامية.

والعزلة الحضارية والجهل صنوان، كلاهما تخلف، وكلاهما حجاب يمنع وصول الضوء، وكلاهما عقبة كأداء في طريق التطور والتقدم.

ويكاد يكون مؤكدا، أنه لا توجد حضارة قامت بذاتها، واكتفت بذاتها مستغنية عن غيرها. وإنما هـي نتيجة تطور حضاري دائم، [ ص: 130 ] وتفاعل بين حضارات أخرى، تفاعلت هـي بدورها وغيرها من الحضارات في الزمان والمكان.

والنمو الحضاري إنما يعتمد على التجارب الحضارية الأخرى. وكلما ازدادت فرص الالتقاء والتفاعل بين الحضارات، ازدادت فرص الحياة والنمو والاكتساب والتعلم.

والأمة الإسلامية وهي تتطلع إلى مستقبل مشرق لا بد وأن تخوض معركة بناء الذات وتجديدها، مسوقة بقيم وأفكار ومواريث لها في وعيها فاعليتها القوية.

ولا يخفى أن الأمة الإسلامية تملك رصيدا ضخما من القيم الهادفة وتوجيهات الإسلام وهذه القيم كفيلة عند استثمارها بأن تجعل الأمة الإسلامية في وضع يسمح لها بأن تنمي فلسفتها الحضارية الإنسانية، وتتسابق مع أمم الأرض في بناء حضارة إنسانية. ومما هـو معروف أنه ليس كل عمل يصدر من الإنسان يسهم في الحضارة الإنسانية. وإنما ذلك العمل الذي ينمي الحضارة، وينطلق من الإنسان للإنسان. [ ص: 131 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية