الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
سادسا : الفراغ العقدي

من المؤكد لدى الباحثين، أن العقيدة هـي الأمر الذي تثق به النفس، ويطمئن إليه القلب، ويكون يقينا عند صاحبه، ولا يمازجه شك فيه، ولا يخالطه ريب. ويذكر العقاد : أننا نعني بالعقيدة الدينية طريقة حياة، لا طريقة فكر، ولا طريقة دراسة، إنما نعني بها حاجة النفس، كما يحس بها من أحاط بتلك الدراسات، ومن فرغ من العلم والمراجعة، ليترقب مكان العقيدة من قرارة ضميره، إنما نعني بها ما يملأ النفس لا يملأ الرءوس أو الصفحات . [1]

إن العقيدة التي يصح أن توصف بالعقيدة الدينية، هـي التي لا يستغني عنها من وجدها، ولا يطيق الفراغ منها من فقدها، ولا يرفضها من اعتصم منها، بمعتصم، واستقر فيها على قرار. [2]

ومن يتأمل العقيدة الإسلامية، ويتدبر ما جاءت به من مفاهيم تناولت معضلات الحياة، إن من يتأمل ذلك يحس بالاطمئنان، ويتخلص من الحيرة التي تواجه كثيرا من المفكرين. [3]

والحقيقة التي أثبتها مئات السنين الحافلة بالأحداث، والخطوب، والمحن، حقيقة أن العقيدة الإسلامية هـي العقيدة الشاملة، [ ص: 61 ] والعقيدة المثلى للإنسان، والمجتمع، وهي رعاية للروح والجسد، وعمل للدنيا والآخرة، وجهاد في السلم والحرب، وتنظيم للعلاقات والصلات الاجتماعية بين الأفراد والجماعات والأمم.

فالعقيدة ضرورة لا غنى عنها للفرد والجماعة؛ ضرورة للفرد ليطمئن ويسعد، وتطهر نفسه، وضرورة للمجتمع ليستقر ويتماسك، ويترفع وينهض.

فالفرد بغير عقيدة كالريشة في مهب الريح، تحوله يمينا وشمالا، فلا يسكن له حال، ولا يستقر له قرار، وليس له جذور تثبته. [4]

والعقائد في الأمم تقف سدودا بينها وبين الأفكار الوافدة، أو المذاهب المقتحمة، وتعطي أعماقا للصروح والمجتمعات والأفراد، كما تمنح استقرارا وثباتا للإنسان في الحياة، أما إذا تركت الأمم عقائدها، وتخلفت عن غذائها الروحي، وعن عمقها الإيماني [5] ، فإنها تصبح فريسة لمن هـب ودب.

والباحث في أحوال الشعوب الإسلامية: يجد أنها لم تحسن التخطيط، ولم تستفد من الدروس، فانطلقت في سبيل الشهوات والملذات، والطوائف، والاختلاف، وتركت تعاليم الإسلام التي تدعو إلى الفكر، والعلم والحضارة.. فكان ما كان. [ ص: 62 ] لقد اتضح لنا أن (الغزو الفكري) الذي تعرضت له، شعوب الأمة الإسلامية ولا تزال تتعرض، قام على أسباب وبواعث، دفعت بالغزو الفكري إلى تكالب مسعور، وكان في الإمكان أن ترد الهجمة الشرسة، ولكن كانت هـناك عوامل تنتشر في المجتمعات الإسلامية، ساعدت على توغل الغزو الفكري، وانتشاره بين الناس.

وقد سبق أن ذكرت أن من عوامل وأسباب (الغزو الفكري) :

- العداء الصليبي للإسلام والمسلمين.

- الاستعمار الغربي الذي أصاب بعض المجتمعات الإسلامية.

- تقدم الغرب العلمي.

- الضعف الفكري والتفكك الاجتماعي الذي أصاب المسلمين.

- الفراغ العقدي الذي دلت عليه سلوكيات المسلمين.

وقد تكون هـناك أسباب أخرى: داخلية أو خارجية، عملت على تمزيق الأمة الإسلامية، وقتل روح الأصالة فيها والتجديد، والقدرة على مواجهة التحدي.

ولا يخفى أن التعرف على الأسباب، قد يدفع بالعلماء، وقادة الفكر إلى تشخيص الداء، وبذل الدواء، وإذا عرف التحدي أمكنت المواجهة، وإذا كانت معرفة أسباب الغزو الفكري، تقف بالمسلمين على محطات الانطلاق، فإن معرفة مظاهر الغزو الفكري، تساعد على التبصر بالمواقع والمواقف. [ ص: 63 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية