الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
خامسا : تخلف الشعوب الإسلامية عن ركب الحضارة

إن المجتمعات الإسلامية، حين أصابها الضعف الفكري، والتفكك الاجتماعي، انشغلت بالتافه من الأمور، فقادتها التفاهة إلى التخلف عن ركب العلم، والتقدم، والحضارة، ومعنى هـذا أن المجتمعات الإسلامية انصرفت عن تعاليم الإسلام التي تدعو إلى العلم والمعرفة، واستعمال العقل، والفكر في كل ما من شأنه أن يأخذ بالناس إلى الطريق السليم، وواكب هـذا الانصراف انحطاط في [ ص: 58 ] القيم و دعوات إلى الركون إلى المتع، والعبث بالأموال، إلى حد السفه والجنون، والترف والفجور، حتى كان قواد هـذا الركب في كل ناد، وكل صحيفة، مع جهل ضارب، ونفاق ناشب أظفاره، وفساد في كل مجتمع وناد، وتصارع على كل تافه وخسيس من المادة، وخراب للذمم، وبيع للشرف، وكره للقيم، وضياع للحق، وهضم للحقوق، وذبح للفضيلة. [1] .

وكان وضع البلاد الإسلامية، كما صوره شاعر تركيا الإسلامي الكبير محمد عاكف : يسألني الناس أنك كنت في الشرق مدة طويلة. فما الذي شهدت يا ترى، وما عسى أن يكون جوابي ؟ إنني أقول لهم: إنني رأيت الشرق من أقصاه، فما رأيت إلا قرى مقفرة، وشعوبا لا راعي لها، وجسورا متهدمة، وأنهارا معطلة، وشوارع موحشة، رأيت وجوها هـزيلة متجعدة، وظهورا منحنية، ورءوسا فارغة، وقلوبا جامدة، وعقولا منحرفة.

رأيت الظلم، والعبودية، والبؤس، والشقاء، والرياء، والفواحش المنكرة المكروهة، والأمراض الفاشية الكثيرة، والغابات المحرقة، والمواقد المنطفئة الباردة، والحقول السبخة القاحلة، والصور المقززة، والأيادي المعطلة، والأرجل المشلولة.

رأيت أئمة لا تابع لهم، ورأيت أخا يعادي أخاه، ورأيت نهارا لا غاية له، ولا هـدف، ورأيت ليالي حالكة طويلة، لا يعقبها صباح مسفر، [ ص: 59 ] ونهار مشرق [2] .

هذا التخلف أضعف الثقة بالنفس، وأوقف عجلة التقدم والانطلاق في الشعوب الإسلامية، وجعلها تعتمد في كل شيء على غيرها، إن التخلف العقلي لا يكمن في عدم الذهاب إلى الجامعات، واكتساب المعارف فقط، بقدر ما يكمن في التبلد، والخمول، والنوم، والرضاء بالدون، وموت الهمة.. [3]

ومن المؤكد أن الأمة التي تفضل أو ترضى بالتواكل، والاستجداء، والكسل، والتبعية، أمة لا تستحق الحياة الكريمة، والحياة الحرة الكريمة لا تتأتى لأمة دون ثمن، والثمن هـو التضحية، ولا يتأتى لأمة أن تشق طريقها في الحياة، وأن تستعيد وجودها وكرامتها، وتعيد صنع حياتها، دون أن تحاول جاهدة أن تبني نفسها بناءا يتفق مع الاعتداد بالذات.

وقد يكون من المسلمات البدهية: أن فقر الأمة في جوهره وجذوره ليس فقرا في السلاح والمعدات، أو فقرا في المال والإمكانات، وإنما يكمن في فقر النفوس وعجزها، وضعف الإرادة واضطرابها. [4]

فالتخلف عن ركب التقدم والحضارة، يعود بالمجتمعات الإسلامية إلى الانحطاط، ويقودها طواعية إلى الهلاك، كما تقاد الشاه إلى حتفها بظلفها، ولذا كان هـذا التخلف عاملا من عوامل الغزو الفكري، [ ص: 60 ] الذي اجتاح البلاد والعباد.

التالي السابق


الخدمات العلمية