الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثانيا : الاستعمار الغربي للمجتمعات الإسلامية

لقد تعرض المجتمع الإسلامي في آسيا، وأفريقيا، للطابع الأيديولوجي، للمجتمع الأوروبي، سواء الحديث منه في القرن التاسع عشر، أو المعاصر في القرن العشرين، ولم تكن للمجتمع الإسلامي مناعة كافية في رفض هـذا الطابع وتحديه، وعدم تقبله. [ ص: 52 ] فتعرض للغزو الأوروبي، من أجل الصناعة الغربية، منذ أثمر عهد النهضة الأوروبية ثمرته في التحرر والخلاص، من سلطة الكنيسة، وفي استرداد الإنسان الأوروبي حرية الحركة في التجارة، وفي شئون المال على العموم، وحرية التفكير والتوجيه السياسي [1]

وكان الوضع في البداية قبل الاستعمار تربصا من جانب المجتمع الأوروبي بالمجتمعات الإسلامية، وانقضاضا عليها من جانب، بينما كان استسلاما من أي مجتمع إسلامي، تعرض للتربص والانقضاض، وقبولا للوصاية الأجنبية والاستغلال الأوروبي من جانب آخر [2] .

ومما هـو مسجل في صفحات التاريخ أن المجتمع الإسلامي وقع فريسة للاستعمار، فقد احتلت بريطانيا الهند في سنة 1859م ومناطق الخليج الإسلامي، وجنوب شبه الجزيرة العربية في سنة 1849م، ومصر في سنة 1882م، والسودان في سنة 1898م.

واحتلت إيطاليا طرابلس الغرب في سنة 1911م.

واحتلت هـولندا : جزر الأرخبيل الإندونيسية تباعا منذ عام 1903م. [ ص: 53 ] وروسيا احتلت القرم قبل القرن التاسع عشر في سنة 1873م، وسيطرت بإشرافها على المجتمعات الإسلامية في وسط آسيا ، وهي: أذربيجان ، وكازاخستان ، وأوزبيكستان ، ونوركيستان ، وكزيخستان . سيطرة تامة في القرن التاسع عشر، ولم يسلم من الاحتلال الأوروبي سوى: اليمن ، والحجاز ، وإيران ، ووسط تركيا . [3]

ولا يخفى أن وقوع المجتمعات الإسلامية تحت سيطرة الاستعمار زاد من اتساع السوق الاستهلاكية لمنتجات الغرب الصناعية، وهذا أدى إلى تفوق الصناعة الغربية. وكلما قوى المجتمع الأوروبي وتفوق صناعيا، كلما زادت رقعة استعماره في قارة إفريقيا وقارة آسيا.

وكلما زادت قبضة أوروبا على ما تم استعماره، وكلما اتسع نفوذها السياسي والاستغلالي، كلما زاد ضعف المجتمع الإسلامي، الذي وقع تحت سلطة الاستعمار، وزادت تبعيته وتقبله لما يأتي من الغرب.

ويوم أن تحرك المجتمع الأوروبي لاستعمار المجتمعات الإسلامية، كان في قمة مجده، بما أنجزه من الفصل بين الكنيسة والدولة، واستقلاله بالسلطة الزمنية، وبالحرية الفردية، في التفكير، والتوجيه، وبالحرية السياسية، كما كان في أشد الأوضاع حرصا على اتجاه (العلمانية) كمثال للإنسانية..

استصحب الاستعمار معه هـذا الاتجاه، بما يستتبعه في الحكم، [ ص: 54 ] والتوجيه، والتشريع، والاقتصاد، في المجتمع الإسلامي الذي يتمكن منه.

وباستصحاب الاستعمار اتجاه العلمانية ، ومحاولة تطبيق هـذا الاتجاه، في المجتمع الإسلامي، وهو مجتمع يغاير في خصائصه، وتاريخه، وواقعه المجتمع الأوروبي، اضطر هـذا الاستعمار إلى أن يسلك طريقا يمكنه من هـذا التطبيق، وهو عزل المجتمع الإسلامي كلية عن ماضيه، وعن تراثه العقلي، والروحي، والتوجهي، والسلوكي.

فإذا ما تم عزله، أصبحت قيادته ميسرة، وطيعة للمستعمر، وبالأخص للأجيال التي تنشأ في ظل هـذه العزلة. [4]

التالي السابق


الخدمات العلمية