الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثالثا : تقدم الغرب العلمي

لقد كان الغرب يملك تقدما" علميا فائقا، وتقدما ماديا هـائلا، وعبقرية تنظيمية مبدعة، وروحا من الجلد والصبر على العمل والإنتاج، وروحا عملية في مواجهة المشكلات من ناحية الدراسة أو من ناحية التنفيذ [1] .

ولا شك أن التقدم العلمي المذهل للغرب، كان قويا دفاقا، له من القوة والانتشار والاستيلاء، ما بهر العقول، وفتن الألباب، ولا غرو فقد بز بذلك كل تقدم علمي عرفه العالم، وسمعت عنه البشرية في التاريخ المترامي الأطراف، واستطاع أن يخرج من الأسرار، ويكشف من الاختراعات، ما جعل أبصار الناس وعقولهم تتعلق به [2] ، [ ص: 55 ] وخاصة أن هـذا العلم أصبح في خدمة الإنسان، في كثير من مناحيه، فاتجهت الأنظار، والعقول، والقلوب إلى الغرب، تتطلع إلى ما فيه من اكتشافات تأتي بجديد [3] .

لقد واجه العالم الإسلامي مشكلة تقدم الغرب العلمي، وجها لوجه، وهذا التحدي السافر على طريق واحد. وهو صاحب الحضارة العريقة، والرسالة الدينية الخاتمة، وصاحب الشهادة على البشرية، بعد ما انسحبت كل الديانات والمذاهب القديمة، متوارية من نوره الوهاج، وحجته المشرقة، وصاحب الرقعة الواسعة، والثقافة المنتشرة، والقوة الكبرى التي كان يحسب لها ألف حساب. فكان تحدي الحضارة المادية للعالم الإسلامي أعظم من تحديها لأي أمة، ولأي حضارة، ولأي ثقافة، وقد صاحب تلك الحضارة مذاهب فكرية، وفلسفات مادية، ونظم سياسية، واقتصادية، وعمرانية، واجتماعية، وخلقية، وكان لا بد أن ينظر الناس - وخاصة الشعوب المتخلفة إلى هـذه المذاهب، والفلسفات، والنظم نظرة تقدير واحترام، لأنها نتاج تلك الشعوب المتقدمة، وحصاد تلك الأمم المتطورة التي فتتت الذرة، وصنعت الطائرة والصاروخ، وأدارت الأقمار [4]

وغزت الفضاء، لتراقب سلوكيات الإنسانية كلها وخاصة تحركات المجتمعات الإسلامية ولتكتشف من الفضاء الواسع، ما يزيدها من العلم تمكينا وأصبحت المجتمعات الإسلامية تمجد الحضارة الأوروبية، والتقدم العلمي والصناعي، واستطاع [ ص: 56 ] الغرب أن ينقل الإنتاج المادي إلى المجتمعات الإسلامية، في أفريقيا، وفي آسيا، لاستخدام هـذا الإنتاج في تيسير الحياة، والتغلب على الصعوبات والمشاق التي تصحب عادة الحياة الإنسانية المتخلفة، أو البدائية، وذلك ليكون شواهد مادية، ترى وتختبر في التطبيق وفي واقع الحياة [5] .

التالي السابق


الخدمات العلمية