الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
المـواجـهـة

المواجهة الصحيحة تقتضي عملا يعمل، لا كلاما يقال: إن المبشرين يعملون ونحن لا نعمل، وإذا رغبنا في مواجهتهم لإنقاذ إخواننا المسلمين، فلا بد وأن يكون عملنا أزيد من عملهم، وتحركنا أسرع من تحركهم.

إن المواجهة تحتاج إلى تخطيط، وتنظيم، واتساع المواقع، والتعرف الدقيق، فإذا ما فعلنا ذلك، كان ذلك بداية في طريق طويل.

أما أن نترك المسلمين في قارتي أفريقيا وآسيا وغيرهما تفترسهما النصرانية، فإن ذلك أمر بالغ الخطورة.

وإذا كان للتبشير مؤتمرات دولية، ومعاهد علمية، وجمعيات تبشيرية، فلماذا لا تكون للمسلمين مؤتمرات للدعوة والمواجهة، وهنا ربما يقول قائل: للمسلمين مؤتمرات للدعوة كثيرا ما سمعنا وقرأنا عنها. نعم للمسلمين مؤتمرات، ولكن الناس يجتمعون فيها لينفضوا، فهي تساوي مظاهرة في الشارع، فيها تصفيق وكلام، ثم يدخل كل واحد بيته.

نحن نريد مؤتمرات لا تكون توصياتها وقراراتها حبرا على ورق، وإنما نريد عملا يعمل في دقة وتخطيط.

إن المجتمعات الإسلامية تعاني من التسلط التبشيري في الصحافة وسائر وسائل الإعلام ووكالات الأنباء، وتعاني في البيت وفي الشارع وفي أمور كثيرة، قد يعرفها البعض ويسكت، وما أكثر الساكتين [ ص: 150 ] لأنهم لا يملكون أن يقولوا شيئا. إنك ترى برنامجا في التليفزيون ينطلق من دولة إسلامية عربية فيشدك إلى مزارع وحدائق خضراء بإندونيسيا ومستشفيات ومدارس أخذت بيد الإندونيسي يقال عنها إنها: من صنع وإدارة وأعمال الكنيسة الكاثوليكية، هـكذا تسمع وترى، ولا يخفى أن هـذه الدعاية التبشيرية نصرانية، ومن الغريب والعجيب أنك ترى في أسواق الصحافة في بعض البلاد الإسلامية، ما هـب ودب، وهو وهي، من المجلات والصحف، وتمنع من الدخول والوصول بعض المجلات والصحف الإسلامية، لماذا؟ لأنها إسلامية، وكل ما هـو إسلامي يقض مضاجع المبشرين، ومن المؤلم حقا أن تجد عند باعة الصحف مئات من المجلات في كل التخصصات ما عدا الإسلام، فمجلاته قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة، ويبدو أن هـذا ربما تكون وراءه أجهزة تبشيرية، حتى لا يكون هـناك التأثير الذي يمنع من التأثر بالتبشير، إن أمتنا الإسلامية مطالبة بأن تتبصر العواقب، وتتعرف على خطواتها بحكمة وتدبر، قبل أن يتسع الخرق على الراقع. إن التبشير نجح في تنصير البعض، ونحج في أنه جعل المسلمين في موقف المدافع وهو موقف المهزوم، فهل نتدارك هـذه المواقف، ونتخطاها إلى مواقف المواجهة؟ يجدر بنا أن نتعرف على الخطوات التالية:

أولا: علينا أن ندرك تماما أن هـؤلاء لا يبشرون بدينهم وعقائدهم، أو يعملون على تحويل المسلم عن الإسلام، إلا في حالة إدراكهم أن المسلمين غير مهتمين بالإسلام، سلوكا وتطبيقا، ومن هـنا كان علينا أن تكون مواجهتنا للتبشير عملا يعمل يهتم بإنشاء المدارس [ ص: 151 ] والمستوصفات، والملاجئ ورعاية الأيتام، واللقطاء، والمسنين، ويصاحب ذلك توعية إسلامية، وتبشيرية بالإسلام.

ثانيا: إن ما يقوم به التبشير النصراني في أفريقيا والمجتمعات الإسلامية المختلفة، من بناء المستشفيات الخيرية، والمدارس وغيرها مما يقدم للإنسان، هـو عمل خيري في الدرجة الأولى، لأن الإنسان في مثل هـذه المجتمعات في حاجة إلى من يقدم له يد العون أو المساعدة بالعلم، والخبز، والعلاج، فإذا أراد المسلمون المواجهة العملية، فعليهم أن يعملوا مثل ما يعمل المبشرون ويزيدون عليهم.

ثالثا: يجب أن يدرك المسلمون أن التبشير يملك إمكانيات هـائلة: مادية وبشرية، فمواجهتنا للتبشير، يجب أن تتوفر لها الإمكانيات المادية، والطاقة البشرية.

رابعا: لا بد وأن نواجه التبشير من خلال مخطط دقيق، ينفذ بحكمة وبصيرة، توزع الأدوار ليكون هـناك التكامل الواعي.

خامسا: يصاحب ذلك كله هـجوم ونقد للأفكار الغربية والتبشيرية، لننتقل من مرحلة المواجهة - (الدفاع) - إلى مرحلة الهجوم والنقد.

وإذا كنا عرفنا كيفية مواجهة التبشير - وهو أصل رئيس لكل أدوات الغزو الفكري وتياراته في المجتمعات الإسلامية - فإن هـذه المواجهة لا تتم إلا إذا قامت أجهزة الإعلام في الشعوب الإسلامية بأمرين:

الأمر الأول: أن تقف أجهزة الإعلام من (صحافة، وإذاعة، وتليفزيون، ومسرح، وسينما، وفيديو) عن تقديم أي شيء يتنافى مع [ ص: 152 ] مبادئ الإسلام، لأنه لا فائدة من مواجهة الفكر الاستشراقي والتبشيري في الوقت الذي نجد فيه أجهزة الإعلام، تمور بكل ما هـو مخالف للإسلام من عري، وخلاعة، وتقاليد غريبة.

والأمر الثاني: أن تواكب مؤسسات الإعلام هـذه المواجهة، فتتناولها وتقف من ورائها، وتعمل على مساعدتها بالتوجيه.

وقد لا يكون المرء مجانبا للصواب إذا تأكد لديه أن مؤسسات الإعلام في بعض المجتمعات الإسلامية، قد نجح الاختراق الاستشراقي والتبشيري في الوصول إليها، عن طريق عملائه الذين يديرون شئونها، ولذا كان لا بد من تطهير مؤسسات الإعلام من هـؤلاء العملاء، الذين وقعوا فريسة الغزو الفكري، وتربوا في مدارسه ومعاهده.

ولا بد أن يتوجه النقد إلى أي أثر من آثار (الغزو الفكري) الموجود بالمجتمعات الإسلامية دون مجاملة لهذه المجتمعات، وأقول هـذا، لأن كل مجتمع إسلامي يجب أن يمدح فقط، وقد يكون فيه من البلاوي ما فيه.

ومشكلتنا: أننا نفرح بالمدح، ونجامل بعضنا على حساب ما يمس شخصيتنا وإسلامنا. يجب أن نضع في الحساب أن أي مجتمع إسلامي هـو مجتمعنا دون عنصرية أو إقليمية أو قومية أو حزبية، وبهذا نستطيع أن نتمكن من المواجهة، وتقديم النصيحة.

ولا بد أن تتجه جهود المسلمين في المجتمعات الإسلامية، إلى التربية لأن المبادئ الإسلامية بمفاهيمها الأساسية، ومناهجها التربوية، [ ص: 153 ] تصنع شخصية متميزة لها سماتها وغاياتها الخاصة) .

ولعل أخطر ما استهدفه الغزو الفكري في برامجه التخريبية، هـو هـدم شخصيتنا الإسلامية: عقديا، وثقافيا، وسلوكيا، وعاطفيا.

ولعل معاول (الغزو الفكري) التي أصابت الكثير، لم تؤثر إلا من جراء انهدام الشخصية الإسلامية.

ولهذا كان لا بد من اتجاه فريق من المصلحين إلى تربية الأجيال، تربية إسلامية، تتولى المسئولية، والإدارة.

- تربية تجعل الإنسان إيجابيا يعيش في حركة فكرية، ونفسية، وجسدية، بناءة بعيدا عن السلوك التخريبي. - رافضا التحجر والجمود. لا يرضى بالسلوك الانسحابي الذي يتهرب من نشاطات الحياة، ويبتعد عن مواجهة الصعاب.

- تربية تؤهل الإنسان للعطاء. وتنمي فيه القدرة على الإنتاج والإبداع بما تفتح له من آفاق التفكير والممارسة.

- تربية تعد الإنسان إعدادا ناضجا لممارسة الحياة بالطريقة التي يرسمها ويخطط أبعادها الإسلام، لأن الحياة في نظر الإسلام، عمل، وبناء، وعطاء، وتنافس في الخيرات..

- تربية تجعل الشخصية الإسلامية شخصية متزنة، لا يطغي على موقفها الانفعال، ولا يسيطر عليها التفكير المادي، ولا الانحراف الفكري المتأتي من سيولة العقل وامتداد اللامعقول.

- تربية تبني الإنسان على أساس وحدة، فكرية، وسلوكية، وعاطفية، متماسكة على أساس من التنسيق، والتوافق الفكري، [ ص: 154 ] والعاطفي، والسلوكي، الملتزم، الذي لا يعرف التناقض، ولا الشذوذ.

- تربية تجعل الإنسان المسلم يشعر دوما أنه مسئول عن الإصلاح، وأنه يجب عليه أن ينهض بمسئوليته، ويقود نحو شاطئ العدل والسلام.

- وإن أمتنا تتطلع إلى غد مشرق، والتطلع يحتاج إلى علم وعمل، وجهود بناءة تكون علامات مضيئة في الطريق. [ ص: 155 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية