الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أهداف الغزو الفكري

سوق الأفكار أخطر أسواق المنتجات، وأكثرها تقبلا للتزييف والإفساد، ومن ثم حفلت أسواقنا، بما هـو أشد فتكا من السموم، وأعظم انتشارا من الهواء. يتخلل كل خلية وينخر في كل بناء. أفكار ترتدى أثوابا، أو تحمل شعارات، أو ترفع مشاعل. ليس الثوب فيها، أو الشعار، أو المشعل، إلا قناعا يستر الزيف الخطر. [1]

إن هـذا الغزو الفكري الذي يجتاح الشعوب الإسلامية يهدف فيما يهدف إلى:

(1) أن تظل الشعوب الإسلامية خاضعة لنفوذ القوى المعادية لها، تلك القوى التي تتمثل في عدد محدود من الدول الكبيرة، التي تحمي بعضها بعضا، ويتبادل ساستها الدفاع عن المصالح، التي تهم أي طرف من أطرافها.

(2) أن تظل بلدان العالم الإسلامي خصوصا، والعالم النامي عموما تابعة لتلك الدول الكبيرة المتقدمة، تبعية غير منظورة، وفي هـذه التبعية يكمن دهاء تلك الدول المتبوعة وذكاؤها، فليس أقتل للشعوب من أن تحس بالحرية والاستقلال، بينما هـي ترسف في قيود الذل والتبعية. وليس أضيع لمستقبل أمة من الأمم أن تعجز عن أن تخطط لمستقبلها ومصيرها إلا وهي دائرة في فلك دولة كبيرة واهمية ذاهلة عن حقيقة ما تعانيه من تبعية. [ ص: 75 ] (3) أن تتبنى الأمة الإسلامية أفكار أمة أخرى من الأمم الكبيرة دون نظر فاحص، وتأمل دقيق، مما يؤدي إلى ضياع حاضر الأمة الإسلامية في أي قطر من أقطارها، وتبديد لمستقبلها فضلا عما في ذلك من صرف عن منهجها وكتابها، وسنة رسولها.

وما يترتب على هـذا الصرف من ضياع أي ضياع؛ إذ لا يوجد مذهب سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي يغني الأمة الإسلامية عن منهجها الإلهي. ونظامها الشامل المتكامل في كل زمان ومكان.

(4) أن تتخذ الأمة الإسلامية مناهج التربية والتعليم لدولة من هـذه الدول الكبيرة فتطبقها على أبنائها وأجيالها فتشوه بذلك فكرهم، وتمسخ عقولهم، وتخرج بهم إلى الحياة، وقد أجادوا بتطبيق هـذه المناهج عليهم شيئا واحدا، هـو تبعيتهم لأصحاب تلك المناهج الغازية أولا، ثم يلتبس الأمر عليهم بعد ذلك، فيحسبون أنهم بذلك على الصواب. ثم يجادلون عما حسبوه صوابا ويدعون إليه، وهم بذلك يؤكدون تبعيتهم من جانب آخر، فيعيشون الحياة وليس لهم منها إلا حظ الأتباع والأذناب.

(5) أن يحول العدو بين الأمة الإسلامية وبين تاريخها وماضيها وسير الصالحين من أسلافها، ليحل محل ذلك تاريخ تلك الدول الكبيرة الغازية، وسير أعلامها وقادتها.

(6) أن تزاحم لغة الغالب لغة المغلوب، فضلا عن أن تحل محلها أو تحاربها بإحياء اللهجات العامية أو الإقليمية، وما دام الإنسان لا يفكر إلا باللغة فإن إضعاف لغة أمة هـو إضعاف لفكرها.

(7) أن تسود الأمة المغزوة أخلاق الأمة الغازية، [ ص: 76 ] وعاداتها وتقاليدها. [2]

(8) تصوير تراث الأمة الإسلامية بصورة التخلف، وعدم قدرته على إمداد الحضارة بشيء مفيد. وأنه لم يكن له فضل على الحضارات التي جاءت بعد.

(9) إحياء الجوانب الضعيفة في التراث الإسلامي خاصة فيما يتعلق بالخلافات السياسية التي وقعت بين المسلمين أنفسهم، والتركيز على دعوات الحركات الباطنية، وإخراجها بصورة جميلة مضيئة، ووصف هـذه الدعوات بأنها كانت تحمل فكرا عاليا، وفلسفة عميقة. [3]

(10) إضعاف مثل الإسلام وقيمه العليا من جانب، وإثبات تفوق المثل الغربية وعظمتها من جانب آخر، وإظهار أي دعوة للتمسك بالإسلام بمظهر الرجعية والتأخر.

(11) تشكيك المسلمين بقيمة تراثهم الحضاري، بدعوى أن الحضارة الإسلامية منقولة عن حضارة الرومان، ولم يكن العرب والمسلمون إلا نقلة لفلسفة تلك الحضارة وآثارها.

(12) إضعاف روح الإخاء الإسلامي بين المسلمين في مختلف أقطارهم عن طريق إحياء القوميات التي كانت لهم قبل الإسلام. وإثارة الخلافات والنعرات بين شعوبهم. [4]

(13) اقتلاع العقيدة الإسلامية من قلوب المسلمين، وصرفهم عن التمسك بالإسلام نظاما وسلوكا. [ ص: 77 ] (14) تفريغ العقل والقلب من القيم الأساسية المستمدة من الإيمان بالله. ودفع هـذه القلوب عارية أمام عاصفة هـوجاء تحمل معها السموم عن طريق الصحافة والمسرح والفيلم والأزياء والملابس. [ ص: 78 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية