[ ص: 82 ] الاعتراض السابع -
ولما كانت العلية صفة للوصف المذكور ومتوقفة على وجوده ، وجب أن يكون النظر فيها نفيا وإثباتا متأخرا عن النظر في وجود الوصف . القدح في مناسبة الوصف المعلل به
وهذا هو أعظم الأسئلة الواردة على القياس ؛ لعموم وروده على كل ما يدعى كونه علة ، واتساع طرق إثباته ، وتشعب مسالكه كما تقدم تقريره [1] .
وقد اختلف العلماء في قبوله نفيا وإثباتا والمختار لزوم قبوله .
وذلك لأن إثبات الحكم في الفرع مما لا يمكن إسناده إلى مجرد إثبات حكم الأصل دون جامع بينهما .
والجامع يجب أن يكون في الأصل بمعنى الباعث لا بمعنى الأمارة على ما سبق تقريره
[2] والوصف الطردي لا يصلح أن يكون باعثا ، فيمتنع التمسك به في القياس ، فلو لم يقبل منع تأثير الوصف والمطالبة بتأثيره أفضى ذلك إلى التمسك بالأوصاف الطردية ، ثقة من المتكلم بامتناع مطالبته بالتأثير ، ولا يخفى وجه فساده .
وأيضا فإن الأصل عدم الدليل الدال على جواز التمسك بالقياس ، غير أنا استثنينا منه ما كانت علة القياس فيه مخيلة ؛ أو شبيهة لإجماع الصحابة عليه ، ولم ينقل عنهم أنهم تمسكوا بقياس علته طردية [3] فبقينا فيه على حكم الأصل ، فلذلك وجب قبول سؤال منع التأثير وبيان كون الوصف مؤثرا .
وعند هذا فلا بد من ذكر شبه الرادين له وتحقيق جوابها ، وقد احتجوا بشبه .
الأولى : أنه لو قبل سؤال منع التأثير ؛ فما من دليل المستدل على كون الوصف علة إلا وهذا السؤال وارد عليه إلى ما لا يتناهى ، فيجب رده حفظا للكلام عن الخبط والنشر .
[ ص: 83 ] الثانية : أنه لا معنى للقياس سوى رد الفرع إلى الأصل بجامع ، وقد أتى به المستدل وخرج عن وظيفته ، فعلى المعترض القدح فيه .
الثالثة : أن الأصل أن كل ما ثبت الحكم عقيبه في الأصل أن يكون علة ، فمن ادعى أن الوصف الجامع ليس بعلة احتاج إلى بيانه .
الرابعة : أنا بحثنا فلم نجد سوى هذه العلة ، فعلى المعترض القدح فيها أو إبداء غيرها .
الخامسة : أنهم قالوا : عجز المعترض عن الاعتراض على الوصف المذكور دليل صحته كالمعجزة ، فالمنع من الصحة مع وجود دليل الصحة لا يكون مقبولا .
السادسة : قولهم حاصل هذا السؤال يرجع إلى المنازعة في علة الأصل ، ويجب أن يكون متنازعا فيها ليتصور الخلاف في الفرع .
السابعة : أن حاصل القياس يرجع إلى تشبيه الفرع بالأصل والشبه حجة ، وقد تحقق ذلك بما ذكر من الوصف الجامع فلا حاجة إلى إبداء غيره .
الثامنة : قولهم هذا الوصف مطرد لم يتخلف حكمه عنه في صورة ، فكان صحيحا .
والجواب عن الأولى : أن التسلسل منقطع بذكر ما يفيد أدنى ظن بالتعليل من الطرق التي بيناها قبل ، [4] فإن المطالبة بعلية ما غلب على الظن كونه علة بعد ذلك يكون عنادا ، وهو مردود إجماعا .
وعن الثانية : بمنع تحقق القياس بجامع لا يغلب على الظن كونه علة .
وعن الثالثة : بمنع أن الأصل علية كل ما ثبت الحكم معه من الأوصاف .
وعن الرابعة : أن البحث مع عدم الاطلاع على غير الوصف المذكور طريق من طرق إثبات العلة كما سبق ، [5] فكان ذلك جوابا عن سؤال المطالبة وقبولا له لا أنه رد له .
[ ص: 84 ] وعن الخامسة : أنه لو كان عجز المعترض عن الاعتراض دليل صحة العلة ، لكان عجز المستدل عن تصحيح العلة دليل فسادها ولا أولوية ولكان عجز المعترض عن الاعتراض على إبطال ما ادعى من الحكم في الفتوى دليلا على ثبوت الحكم ، ولم يقل به قائل .
وعن السادسة : أن علة الأصل وإن كانت متنازعا فيها فلا بد من دليل ظني يدل على كونها علة ، كما في الحكم المختلف فيه .
وعن السابعة : أن إثبات الحكم في الفرع متوقف على ظن إثباته ، ولا نسلم أن مطلق المشابهة بين الأصل والفرع في مطلق وصف مفيد للظن .
وعن الثامنة : أن حاصلها يرجع إلى الاكتفاء بالوصف الطردي ، لكونه غير منتقض ، وهو باطل بما سبق في طرق إثبات العلة .
وإذا علم أنه لا بد من قبول سؤال المطالبة بالتأثير ، وأنه لا بد من الدلالة على كون الوصف علة ، وطريق إثبات ذلك ما يساعد من الأدلة التي قررناها قبل .