الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 127 ] المسألة الأولى

          في الاستدلال باستصحاب الحال

          وقد اختلف فيه : فذهب أكثر الحنفية وجماعة من المتكلمين كأبي الحسين البصري وغيره إلى بطلانه ، ومن هؤلاء من جوز به الترجيح لا غير .

          وذهب جماعة من أصحاب الشافعي ؛ كالمزني والصيرفي والغزالي وغيرهم من المحققين إلى صحة الاحتجاج به ، وهو المختار ، وسواء كان ذلك الاستصحاب لأمر وجودي أو عدمي أو عقلي أو شرعي ؛ وذلك لأن ما تحقق وجوده أو عدمه في حالة من الأحوال ، فإنه يستلزم ظن بقائه [1] والظن حجة متبعة في الشرعيات على ما سبق تحقيقه ، وإنما قلنا : إنه يستلزم ظن بقائه لأربعة أوجه :

          الأول : أن الإجماع منعقد على أن الإنسان لو شك في وجود الطهارة ابتداء لا تجوز له الصلاة [2] ولو شك في بقائها جازت له الصلاة [3] ولو لم يكن الأصل في كل متحققا دوامه [4] للزوم إما جواز الصلاة في الصورة الأولى ، أو عدم الجواز في الصورة الثانية وهو خلاف الإجماع [5]

          [ ص: 128 ] وإنما قلنا ذلك ؛ لأنه لو لم يكن الراجح هو الاستصحاب ، لم يخل إما أن يكون الراجح عدم الاستصحاب أو أن الاستصحاب وعدمه سيان ، فإن كان الأول فيلزم منه امتناع جواز الصلاة في الصورة الثانية لظن فوات الطهارة ، وإن كان الثاني فلا يخلو ، إما أن يكون استواء الطرفين مما تجوز معه الصلاة أو لا تجوز ، فإن كان الأول فيلزم منه جواز الصلاة في الصورة الأولى ، وإن كان الثاني فيلزمه عدم جواز الصلاة في الصورة الثانية ، وكل ذلك ممتنع .

          الوجه الثاني : أن العقلاء وأهل العرف إذا تحققوا وجود شيء أو عدمه وله أحكام خاصة به فإنهم يسوغون القضاء والحكم بها في المستقبل من زمان ذلك الوجود أو العدم ، حتى إنهم يجيزون مراسلة من عرفوا وجوده قبل ذلك بمدد متطاولة ، وإنفاذ الودائع إليه ويشهدون في الحالة الراهنة بالدين على من أقر به قبل تلك الحالة [6] .

          ولولا أن الأصل بقاء ما كان على ما كان ؛ لما ساغ لهم ذلك .

          الثالث : أن ظن البقاء أغلب من ظن التغير ، وذلك لأن الباقي لا يتوقف على أكثر من وجود الزمان المستقبل ومقارنة ذلك الباقي له كان وجودا أو عدما .

          وأما التغير فمتوقف على ثلاثة أمور ؛ وجود الزمان المستقبل ، وتبدل الوجود بالعدم أو العدم بالوجود ، ومقارنة ذلك الوجود أو العدم لذلك الزمان .

          ولا يخفى أن تحقق ما يتوقف على أمرين لا غير أغلب مما يتوقف على ذينك الأمرين وثالث غيرهما .

          الوجه الرابع : إذا وقع العرض فيما هو باق بنفسه كالجوهر ، فقد يقال : غلبة الظن بدوامه أكثر من غيره ، فكان دوامه أولى .

          وذلك لأن بقاءه مستغن عن المؤثر حالة بقائه ؛ لأنه لو افتقر إلى المؤثر ، فإما أن يصدر عن ذلك المؤثر أثر ، أو لا يصدر عنه أثر ، فإن صدر عنه أثر ، فإما أن يكون هو عين ما كان أو شيئا متجددا ، الأول محال لما فيه من تحصيل الحاصل ، والثاني فعلى خلاف الفرض ، وإن لم يصدر عنه أثر فلا معنى لكونه مؤثرا ، وإذا كان مستغنيا في بقائه [ ص: 129 ] عن المؤثر فتغيره لا بد وأن يكون بمؤثر وإلا كان منعدما بنفسه وهو محال وإلا لما بقي ، وإذا كان البقاء غير مفتقر إلى مؤثر مفتقر ، وتغير إلى المؤثر فعدم الباقي لا يكون إلا بمانع يمنع منه .

          وأما المتجدد سواء كان عدما أو وجودا ، فإنه قد ينتفي تارة لعدم مقتضيه وتارة لمانعه ، وما يكون عدمه بأمرين يكون أغلب مما عدمه بأمر واحد .

          وعلى هذا فالأصل في جميع الأحكام الشرعية إنما هو العدم وبقاء ما كان على ما كان إلا ما ورد الشارع بمخالفته ، فإنا نحكم به ونبقى فيما عداه عاملين بقضية النفي الأصلي ، كوجوب صوم شوال وصلاة سادسة ونحوه .

          فإن قيل : لا نسلم أن كل ما تحقق وجوده في حالة من الأحوال أو عدمه فهو مظنون البقاء ، وما ذكرتموه من الوجه الأول فالاعتراض عليه من وجوه .

          الأول : أنا نسلم انعقاد الإجماع على الفرق في الحكم فيما ذكرتموه من الصورتين ، فإن مذهب مالك وجماعة من الفقهاء إنما هو التسوية بينهما في عدم الصحة .

          وإن سلمنا ذلك وسلمنا أنه لو لم يكن الأصل البقاء في كل متحقق للزم رجحان الطهارة أو المساواة في الصورة الأولى ، ورجحان الحدث أو المساواة في الصورة الثانية .

          ولكن لا يلزم من رجحان الطهارة في الصورة الأولى جواز الصلاة ، بدليل امتناع الصلاة بعد النوم والإغماء والمس على الطهارة ، وإن كان وجود الطهارة راجحا ، ولامتناع [7] الصلاة مع ظن الحدث في الصورة الثانية حيث قلتم بأن ظن الحدث لا يلحق بتيقن الحدث .

          سلمنا دلالة ما ذكرتموه على أن الأصل في الطهارة والحدث البقاء ، ولكن لا نسلم أنه يلزم من ذلك في الطهارة والحدث أن يكون الأصل في كل متحقق سواهما البقاء ، لا بد لهذا من دليل [8] .

          [ ص: 130 ] سلمنا دلالة ما ذكرتموه على أن الأصل البقاء في كل شيء ، لكنه منقوض بالزمان والحركات من حيث إن الأصل فيهما التقضي دون البقاء والاستمرار .

          وما ذكرتموه من الوجه الثاني فليس فيه ما يدل على ظن البقاء ، بل إنما كان ذلك مجوزا منهم لاحتمال إصابة الغرض فيما فعلوه ، وذلك كاستحسان الرمي إلى الغرض لقصد الإصابة ، لاحتمال وقوعها وإن لم تكن الإصابة ظاهرة بل مرجوحة أو مساوية .

          وما ذكرتموه من الوجه الثالث لا نسلم أن ظن البقاء أغلب من ظن التغير ، وما ذكرتموه من زيادة توقف التغير على تبدل الوجود بالعدم أو بالعكس معارض بما يتوقف عليه البقاء من تجدد مثل السابق وإن سلمنا أن ما يتوقف عليه التغير أكثر ، لكن لا نسلم أنه يدل على غلبة البقاء على التغير لجواز أن تكون الأشياء المتعددة التي يتوقف عليها التغير أغلب في الوجود من الأعداد القليلة التي يتوقف عليها البقاء ( أو مساوية لها ) .

          وإن سلمنا أن البقاء أغلب من التغير ، ولكن لا نسلم كونه غالبا على الظن ، لجواز أن يكون الشيء أغلب من غيره ، وإن غلب على الظن عدمه في نفسه .

          سلمنا دلالة ذلك على الأغلبية لكن فيما هو قابل للبقاء أو فيما ليس قابلا له ، الأول مسلم ، والثاني ممنوع ، فلم قلتم بأن الأعراض التي وقع النزاع في بقائها قابلة للبقاء ؟ كيف وإنها غير قابلة لما علم في الكلاميات [9] .

          وما ذكرتموه من الوجه الرابع لا نسلم أن الباقي لا يفتقر إلى مؤثر .

          وما ذكرتموه معارض بما يدل على نقيضه ، وذلك لأن الباقي في حالة بقائه ، إما أن يكون واجبا لذاته أو ممكنا لذاته ؛ الأول محال وإلا لما تصور عليه العدم ، وإن كان ممكنا فلا بد له من مؤثر ، وإلا لانسد علينا باب إثبات واجب الوجود .

          سلمنا دلالة ما ذكرتموه على أن الأصل في كل متحقق دوامه ، لكنه معارض بما يدل على عدمه ، وبيانه من ثلاثة أوجه .

          الأول : أنه لو كان الأصل في كل شيء استمراره ودوامه ، لكان حدوث جميع الحوادث على خلاف الدليل المقتضي لاستمرار عدمها ، وهو خلاف الأصل .

          [ ص: 131 ] الثاني : أن الإجماع منعقد على أن بينة الإثبات تقدم على بينة النفي ، ولو كان الأصل في كل متحقق دوامه ، لكانت بينة النفي لاعتضادها بهذا الأصل أولى بالتقدم .

          الثالث : أن مذهب الشافعي أنه لا يجزي عتق العبد الذي انقطع خبره ، عن الكفارة ، ولو كان الأصل بقاءه لأجزأ .

          سلمنا أن الأصل هو البقاء والاستمرار ، ولكن متى يمكن التمسك به في الأحكام الشرعية إذا كان محصلا لأصل الظن أو غلبة الظن ؟ الأول ممتنع وإلا كانت شهادة العبيد والنساء المتمحضات والفساق مقبولة ؛ لحصول أصل الظن بها .

          والثاني مسلم ، ولكن لا نسلم أن مثل هذا الأصل يفيد غلبة الظن ، وذلك لأن الأصل عدم هذه الزيادة بنفس ما ذكرتم .

          سلمنا كون ذلك مغلبا على الظن لكن قبل ورود الشرع أو بعده ، الأول مسلم ، والثاني ممنوع .

          وبيانه : أن قبل ورود الشرع قد أمنا الدليل المغير ، فكان الاستصحاب لذلك مغلبا ، وبعد ورود الشرع لم نأمن التغير وورود الدليل المغير ، فلا يبقى مغلبا على الظن .

          والجواب عن منع الإجماع على التفرقة فيما ذكرناه من الصورتين ، أن المراد به إنما هو الإجماع بين الشافعي وأبي حنيفة وأكثر الأئمة ، فكان ما ذكرناه حجة على الموافق دون المخالف [10]

          وعن السؤال الأول على الوجه الأول أنه يلزم من رجحان الطهارة في الصورة الأولى صحة الصلاة تحصيلا لمصلحة الصلاة مع ظن الطهارة كالصورة الثانية ، وأما النوم فإنما امتنعت معه الصلاة لكونه سببا ظاهرا لوجود الخارج الناقض للطهارة لتيسر خروج الخارج معه باسترخاء المفاصل على ما قال عليه السلام : " العينان وكاء السه " [11] .

          [ ص: 132 ] وقال : " إذا نامت العينان انطلق الوكاء " [12] وإذا كان النوم مظنة الخارج المحتمل وجب إدارة الحكم عليه ، كما هو الغالب من تصرفات الشارع لا على حقيقة الخروج ؛ دفعا للعسر والحرج عن المكلفين ، وبه يقع الجواب عن الإغماء والمس .

          ويلزم من رجحان الحدث في الصورة الثانية امتناع صحة الصلاة ؛ زجرا له عن التقرب إلى الله تعالى والوقوف بين يديه مع ظن الحدث ، فإنه قبيح عقلا وشرعا ولذلك نهي عنه ، والشاهد له بالاعتبار الصورة الأولى .

          قولهم : إنه لا تأثير للحدث المظنون عندكم .

          قلنا : إنما لا يكون مؤثرا بتقدير أن لا نقول باستصحاب الحال كالتقدير الذي نحن فيه وإلا فلا .

          وعن السؤال الثاني أنه لو لم يكن الاستصحاب والاستمرار مقتضى الدليل في كل متحقق ، لكان الاستمرار في هاتين الصورتين على خلاف حكم الأعم الأغلب ، إن كان عدم الاستمرار هو الأغلب ، وهو على خلاف الأصل ، أو أن يكون عدم الاستمرار على خلاف الغالب إن كان الاستمرار هو الأغلب ، وإن تساوى الطرفان فهو احتمال من ثلاثة احتمالات ، ووقوع احتمال من احتمالين أغلب من احتمال واحد بعينه .

          وعن السؤال الثالث ، أنا إنما ندعي أن الأصل البقاء فيما يمكن بقاؤه إما بنفسه كالجواهر أو بتجدد أمثاله كالأعراض ، وعليه بناء الأدلة المذكورة وعلى هذا فالأصل في الزمان بقاؤه بتجدد أمثاله .

          وأما الحركات فإما أن تكون من قبيل ما يمكن بقاؤه واستمراره ، أو لا من هذا القبيل ، فإن كان الأول فهو من جملة صور النزاع ، وإن كان الثاني فالنقض به يكون مندفعا .

          [ ص: 133 ] وعما ذكروه على الوجه الثاني أن الإقدام على الفعل لغرض موهوم غير ظاهر إنما يكون فيما لا خطر في فعله ولا مشقة كما ذكروه من المثال .

          وأما ما يلزم الخطر والمشقة في فعله ، فلا بد وأن يكون لغرض ظاهر راجح على خطر ذلك الفعل ومشقته على ما تشهد به تصرفات العقلاء وأهل العرف من ركوب البحار ومعاناة المشاق من الأسفار ، فإنهم لا يرتكبون ذلك إلا مع ظهور المصلحة لهم في ذلك ، ومن فعل ذلك لا مع ظهور المصلحة في نظره عد سفيها مخبطا في عقله ، وما وقع به الاستشهاد من تنفيذ الودائع وإرسال الرسل إلى من بعدت مدة غيبته والشهادة بالدين على من تقدم إقراره من هذا القبيل فكان الاستصحاب فيه ظاهرا .

          وعما ذكروه على الوجه الثالث أولا فجوابه بزيادة افتقار التغير إلى تجدد علة موجبة للتغير ، بخلاف البقاء لإمكان اتحاد علة المتجددات .

          وما ذكروه ثانيا فجوابه من وجهين :

          الأول : أن الشيء إذا كان موقوفا على شيء واحد والآخر على شيئين ، فما يتوقف على شيء واحد لا يتحقق عدمه إلا بتقدير عدم ذلك الشيء ، وما يتوقف تحققه على أمرين يتم عدمه بعدم كل واحد من ذينك الأمرين .

          ويخفى أن ما يقع عدمه على تقديرين يكون عدمه أغلب من عدم ما لا يتحقق عدمه إلا بتقدير واحد ، وما كان عدمه أغلب كان تحققه أندر ، وبالعكس مقابله .

          فإن قيل : عدم الواحد المعين إما أن يكون مساويا في الوقوع لعدم الواحد من الشيئين أو غالبا أو مغلوبا ، ولا تتحقق غلبة الظن فيما ذكرتموه بتقدير غلبة الواحد المعين ومساواته ، وإنما يتحقق ذلك بتقدير كونه مغلوبا .

          ولا يخفى أن وقوع أحد أمرين لا بعينه أغلب من وقوع الواحد المعين كما ذكرتموه .

          قلنا : إذا نسبنا أحد الشيئين لا بعينه إلى ذلك الواحد المعين ، فإما أن يكون عدمه أغلب من ذلك المعين أو مساويا له أو مغلوبا ، فإن كان الأول لزم ما ذكرناه وإن كان الثاني فكذلك أيضا لترجحه بضم عدم الوصف الآخر إليه ، وإن كان [ ص: 134 ] مغلوبا فنسبة الوصف الآخر إليه لا تخلو من الأقسام الثلاثة ، ويترجح ما ذكرناه بتقديرين آخرين منها ، وإنما لا يترجح ما ذكرناه بتقدير أن يكون كل واحد من الوصفين مرجوحا ، فإذا ما ذكرناه يتم على تقديرات أربعة ولا يتم على تقدير واحد ، وفيه دقة فليتأمل .

          الوجه الثاني : أن العاقل إذا عن له مقصودان متساويان ، وكانت المقدمات الموصلة إلى أحدهما أكثر من مقدمات الآخر ، فإنه يبادر إلى ما مقدماته أقل ، ولولا أن ذلك أفضى إلى مقصوده وأغلب لما كان إقدامه عليه أغلب لخلوه عن الفائدة المطلوبة من تصرفات العقلاء .

          قولهم : وإن كان البقاء أغلب من التغير فلا يلزم أن يكون غالبا على الظن .

          قلنا : إذا كان البقاء أغلب من مقابله فهو أغلب على الظن منه ويجب المصير إليه ؛ نظرا إلى أن المجتهد مؤاخذ بما هو الأظهر عنده .

          قولهم : إنما يدل ما ذكرتموه على غلبة الظن فيما هو قابل للبقاء .

          قلنا : الأعراض إن كانت باقية فلا إشكال ، وإن لم تكن باقية بأنفسها فممكنة البقاء بطريق التجدد كسواد الغراب وبياض الثلج ، وعلى كل تقدير فالكلام إنما هو ممكن التجدد من الأعراض لا فيما هو غير ممكن .

          وعما ذكروه على الوجه الرابع أن يقال : مجرد الإمكان غير محوج إلى المؤثر ، بل المحوج إليه إنما هو الإمكان المشروط بالحدوث أو الحدوث المشروط بالإمكان .

          وعن المعارضات : [13] أما الحوادث فإنما خالفنا فيها الأصل لوجود السبب الموجب للحدوث ونفي حكم الدليل مع وجوده لمعارض أولى من إخراجه عن الدلالة وإبطاله بالكلية مع ظهور دلالته .

          وأما تقديم الشهادة المثبتة على النافية ، وإن كانت معتضدة بأصل براءة الذمة فإنما كان لاطلاع المثبت على السبب الموجب لمخالفة براءة الذمة وعدم اطلاع النافي عليه ؛ لإمكان حدوثه حالة غيبة النافي عن المنكر وتعذر صحبته له واطلاعه [ ص: 135 ] على أحواله في سائر الأوقات .

          وأما مسألة العبد فهي ممنوعة ، وبتقدير تسليمها فلأن الذمة مشغولة بالكفارة يقينا ولا تحصل البراءة منها إلا بيقين وجود العبد ، ولا يقين ، فمن ادعى وجود مثل ذلك فيما نحن فيه فعليه الدليل .

          قولهم : إنما يمكن التمسك به في الأحكام الشرعية إذا كان مفيدا لغلبة الظن لا نسلم ذلك ، بل أصل الظن كاف وبه يظهر الشيء على مقابله ، وأما رد الشهادة في الصور المذكورة فلم يكن لعدم صلاحيتها بل لعدم اعتبارها في الشرع ، بخلاف ما نحن فيه من استصحاب الحال فإنه معتبر بدليل ما ذكرناه من صورة الشاك في الطهارة والحدث .

          قولهم : إنه مغلب على الظن قبل ورود الشرع لا بعده ليس كذلك ، فإنا بعد ورود الشرع إذا لم نظفر بدليل يخالف الأصل بقي ذلك الأصل مغلبا على الظن .

          نعم ، غايته أنه قبل ورود الشرع أغلب على الظن لتيقن عدم المعارض منه [14] بعد ورود الشرع لظن عدم المعارض .

          [ ص: 136 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية