الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          وأما الترجيحات العائدة إلى علة حكم الأصل :

          فمنها ما يرجع إلى طريق إثباتها ، ومنها ما يرجع إلى صفتها .

          أما الترجيحات العائدة إلى طرق إثباتها :

          فالأول منها : أن يكون وجود علة أحد القياسين مقطوعا به في أصله بخلاف علة الآخر ، فما وجود علته في أصله قطعي أولى ، وسواء كان وجودها معقولا أو محسا ، مدلولا عليه أو غير مدلول ؛ لكونه أغلب على الظن ، وفي معنى هذا أن يكون وجود العلتين مظنونا غير أن ظن وجود إحداهما أرجح من الأخرى فقياسها أولى ؛ لأنها أغلب على الظن .

          الثاني : أن يكون دليل علية الوصف في أحد القياسين قطعيا وفي الآخر ظنيا [1] فيكون أولى ؛ لأنه أغلب على الظن .

          الثالث : أن يكون دليل العلتين ظنيا غير أن دليل إحدى العلتين أرجح من دليل الأخرى ، فما دليلها أرجح فقياسها أولى ؛ لأنه أغلب على الظن .

          [ ص: 272 ] الرابع : أن يكون طريق علية الوصف فيهما الاستنباط إلا أن دليل إحدى العلتين السبر والتقسيم ، والأخرى المناسبة ، فما طريق ثبوت العلية فيه السبر والتقسيم يكون أولى ؛ لأن الحكم في الفرع كما يتوقف على تحقق مقتضيه في الأصل يتوقف على انتفاء معارضه في الأصل ، والسبر والتقسيم فيه التعرض لبيان المقتضي وإبطال المعارض ، بخلاف إثبات العلة بالإحالة [2] فكان السبر والتقسيم أولى .

          فإن قيل : وصف العلة لا بد وأن يكون مناسبا في نفس الأمر أو شبهيا ؛ لامتناع التعليل بالوصف الطردي ، ولا يخفى أن احتمال عدم المناسبة بعد إظهارها بالطريق التفصيلي أبعد من احتمال عدمها في السبر والتقسيم ، حيث لم يتعرض فيه لبيانها تفصيلا ، فكان طريق المناسبة أولى .

          قلنا : إلا أن التعرض لمناسبة الوصف لا دلالة له بوجه على نفي المعارض في الأصل ، فإنه لا امتناع من اجتماع مناسبين في محل واحد على حكم واحد ، ودلالة البحث والسبر على مناسب في الأصل غير الوصف المشترك ، مع أن الأصل أن يكون الحكم معقول المعنى وأن يدل على أن الوصف المشترك مناسب .

          ولا يخفى أن ما يدل على مناسبة العلة وعلى انتفاء معارضها أولى مما يدل على مناسبتها ، ولا يدل على انتفاء معارضها .

          فإن قيل : إلا أن طريق إثبات العلة بالمناسبة أو الشبه أدل على مناسبة الوصف بعد إظهارها من دلالة السبر والتقسيم على انتفاء وصف آخر ؛ لاحتمال أن يصدق الناظر في قوله وأن يكذب ، وبتقدير صدقه فظهور ذلك مختص به دون غيره بخلاف طريق المناسبة ، فإنه ظاهر بالنظر إلى الخصمين .

          قلنا : بل العكس أولى ، وذلك لأن الخلل العائد إلى دليل نفي المعارض إنما هو بالكذب أو الغلط لعدم الظفر بالوصف .

          ولا يخفى أن وقوع الغلط مع كون الوصف المبحوث عنه ظاهرا جليا ، ووقوع الكذب مع كون الباحث عدلا أبعد من احتمال وقوع الغلط فيما أبدى من المناسبة مع كونها خفية مضطربة .

          [ ص: 273 ] الخامس : أن يكون نفي الفارق في أصل أحد القياسين مقطوعا به وفي الآخر مظنونا ، فما قطع فيه بنفي الفارق يكون أولى لكونه أغلب على الظن .

          السادس : أن يكون طريق ثبوت إحدى العلتين السبر والتقسيم ، والأخرى الطرد والعكس ، فما طريق ثبوته السبر والتقسيم أولى ؛ إذ هو دليل ظاهر على كون الوصف علة ، وما دار الحكم معه وجودا ظاهر العلية ؛ لأن الحكم قد يدور مع الأوصاف الطردية كما في الرائحة الفائحة الملازمة للشدة المطربة الدائرة مع تحريم الشرب وجودا وعدما ، مع أنها ليست علة ؛ لأن العلة لا بد وأن تكون في الأصل بمعنى الباعث لا بمعنى الأمارة ، كما . سبق تقريره [3] ، والرائحة الفائحة ليست باعثة ؛ إذ لا يشم منها رائحة المناسبة ، وكما أنه غير ظاهر في الدلالة على علية الوصف ، فلا دلالة له على ملازمة العلة ؛ لما قدمناه في إبطال الطرد والعكس ، وبهذا يكون القياس الذي طريق إثبات العلية فيه المناسبة أولى مما طريق إثباتها فيه الطرد والعكس .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية