الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 65 ] المسألة الخامسة

          ذهب أكثر أصحاب الشافعي إلى جواز إجراء القياس في الأسباب ، ومنع من ذلك أبو زيد الدبوسي [1] وأصحاب أبي حنيفة وهو المختار .

          وصورته إثبات كون اللواط سببا للحد بالقياس على الزنا .

          ودليل ذلك أن الحكمة " وهي كونه إيلاج فرج في فرج محرم مشتهى طبعا " التي يكون الوصف سببا بها ، وهي الحكمة التي لأجلها يكون الحكم المرتب على الوصف ثابتا ، وعند ذلك فقياس أحد الوصفين على الآخر في حكم السببية لا بد وأن يكون لاشتراكهما في حكمة الحكم بالسببية .

          وتلك الحكمة إما أن تكون منضبطة بنفسها ظاهرة جلية غير مضطربة وإما أن تكون خفية مضطربة .

          فإن كان الأول : فلا يخلو إما أن يقال بأن الحكمة إذا كانت منضبطة بنفسها يصح الحكم بها أو لا يصح ؟ إذ الاختلاف في ذلك واقع ، فإن قيل بالأول كانت مستقلة بإثبات الحكم وهو الحد المرتب على الوصف ولا حاجة إلى الوصف المحكوم عليه بكونه سببا للاستغناء عنه ، وإن كان الثاني فقد امتنع التعليل والجمع بين الأصل والفرع بها .

          وأما إن كانت خفية مضطربة ، فإما أن تكون مضبوطة بضابط أو لا ، فإن كانت مضبوطة بضابط فذلك الضابط لها هو السبب ، وهو القدر المشترك بين الأصل والفرع ، ولا حاجة إلى النظر إلى خصوص كل واحد من الوصفين المختلفين وهما الزنا واللواط هنا المقضي على أحدهما بالأصالة والآخر بالفرعية .

          وإن لم تكن مضبوطة بضابط ، فالجمع بها يكون ممتنعا إجماعا لاحتمال التفاوت فيها بين الأصل والفرع ، فإن الحكم مما يختلف باختلاف الصور والأشخاص والأزمان والأحوال .

          فإن قيل : ما المانع أن يكون الوصف الجامع بينهما هو الحكمة ، وما ذكرتموه من كون الحكمة إذا كانت خفية مضطربة يمتنع الجمع بها ; لاحتمال التفاوت فيها .

          [ ص: 66 ] قلنا : احتمال التفاوت وإن كان قائما ، غير أن احتمال التساوي راجح وذلك لأنه يحتمل أن تكون الحكمة التي في الفرع مساوية لما في الأصل ، ويحتمل أن تكون راجحة ويحتمل أن تكون مرجوحة .

          وعلى التقديرين الأولين فالمساواة حاصلة ، وزيادة على التقدير الثاني منهما ، وإنما تكون مرجوحة على التقدير الثالث ، وهو احتمال واحد ، ولا يخفى أن وقوع احتمال من احتمالين أغلب وقوعا من احتمال واحد بعينه ، فكان الجمع أولى ، ثم كيف وقد جعلتم القتل بالمثقل سببا لوجوب القصاص بالقياس على القتل بالمحدد ، وجعلتم اللواط سببا للحد بالقياس على الزنا ، وجعلتم النية في الوضوء شرطا لصحة الصلاة بالقياس على نية التيمم ؟ [2] .

          والجواب : أما ما ذكروه من دليل ظهور التساوي في الحكمة فلا يخلو إما أن يكون ذلك كافيا في الجمع أو لا يكون كافيا ، فإن كان كافيا فليجمع بين الأصل والفرع في الحكم المرتب على السبب ولا حاجة إلى الجمع بالسبب وإن لم يكن ذلك كافيا فهو المطلوب .

          وما ذكروه من الإلزامات ، فلا وجه لها .

          أما قياس القتل بالثقل على المحدد ، فلم يكن ذلك في السببية وإنما ذلك في إيجاب القصاص بجامع القتل العمد العدوان ، وهو السبب لا غير .

          وأما قياس اللواط على الزنا ، فإنما كان ذلك في وجوب الحد بجامع إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعا محرم شرعا ; وذلك هو السبب مع قطع النظر عن خصوصية الزنا واللواط .

          وأما قياس الوضوء على التيمم فإنما هو في اعتبار النية بجامع الطهارة المقصودة للصلاة ، وذلك هو السبب لا أن القياس في الاشتراط .

          وعلى هذا النحو كل ما يرد من هذا القبيل .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية