الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 67 ] المسألة السادسة

          اختلفوا في جواز إجراء القياس في جميع الأحكام الشرعية ، فأثبته بعض الشذوذ مصيرا منه إلى أن جميع الأحكام الشرعية من جنس واحد ، ولهذا تدخل جميعها تحت حد واحد ، وهو حد الحكم الشرعي ، وتشترك فيه ، وقد جاز على بعضها أن يكون ثابتا بالقياس ، وما جاز على بعض المتماثلات كان جائزا على الباقي ، وهو غير صحيح .

          وذلك أنه وإن دخلت جميع الأحكام الشرعية تحت حد الحكم الشرعي ، وكان الحكم الشرعي من حيث هو حكم شرعي جنسا لها غير أنها متنوعة ومتمايزة بأمور موجبة لتنوعها .

          وعلى هذا فلا مانع أن يكون ما جاز على بعضها وثبت له أن يكون ذلك له باعتبار خصوصيته وتعينه ، لا باعتبار ما به الاشتراك وهو عام لها .

          كيف وإن ذلك مما يمتنع لثلاثة أوجه :

          الأول : أنا قد بينا امتناع إجراء القياس في الأسباب والشروط ، وبينا أن حكم الشارع على الوصف بكونه سببا وشرطا حكم شرعي .

          الثاني : أن ذلك إلى أمر ممتنع ، فكان ممتنعا .

          وبيان لزوم ذلك أن كل قياس لا بد له من أصل يستند إليه - على ما علم - فلو كان كل حكم يثبت بالقياس لكان حكم أصل القياس ثابتا بالقياس ، وكذلك حكم أصل أصله ، فإن تسلسل الأمر إلى غير النهاية امتنع وجود قياس ما لتوقفه على أصول لا نهاية لها ، وإن انتهى إلى أصل لا يتوقف على القياس على أصل آخر ، فهو خلاف الفرض [1] .

          الثالث : أن من الأحكام ما ثبت غير معقول المعنى كضرب الدية على العاقلة ونحوه ، وما كان كذلك فإجراء القياس فيه متعذر ، وذلك لأن القياس فرع تعقل علة حكم الأصل وتعديتها إلى الفرع فما لا يعقل له علة فإثباته بالقياس يكون ممتنعا .

          [ ص: 68 ] خاتمة لهذا الباب

          القياس مأمور به لقوله تعالى : ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) كما سبق تقريره ، وهو منقسم إلى واجب ومندوب .

          والواجب منه منقسم إلى ما هو واجب على بعض الأعيان ، وذلك في حق كل من نزلت به نازلة من القضاة والمجتهدين ، ولا يقوم غيره فيها مقامه مع ضيق الوقت .

          وإلى ما هو واجب على الكفاية ، وذلك بأن يكون كل واحد من المجتهدين يقوم مقام غيره في تعريف حكم ما حدث من الواقعة بالقياس .

          وأما المندوب وهو القياس فيما يجوز حدوثه من الوقائع ولم يحدث بعد ، فإن المكلف قد يندب إليه ليكون حكمه معدا لوقت الحاجة ، وهل يوصف القياس بكونه دينا لله تعالى ؟ فذلك مما وصفه به القاضي عبد الجبار مطلقا ، ومنع منه أبو الهذيل ، وفصل الجبائي بين الواجب والمندوب منه ، فوصف الواجب بذلك دون المندوب .

          والمختار أن يقال : إن عني بالدين ما كان من الأحكام المقصودة بحكم الأصالة كوجوب الفعل وحرمته ونحوه ، فالقياس واعتباره ليس بدين مقصود لنفسه بل لغيره .

          وإن عني بالدين ما تعبدنا به كان مقصودا أصليا أو تابعا ، فالقياس من الدين لأنا متعبدون به على ما سبق ، وبالجملة فالمسألة لفظية .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية