الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          المسألة الخامسة

          اختلفوا في أنه هل يجوز خلو عصر من الأعصار عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه ؟

          [1] فمنع منه قوم كالحنابلة وغيرهم ، وجوزه آخرون ، وهو المختار .

          وذلك لأنه لو امتنع لامتنع إما لذاته أو لأمر من خارج .

          الأول : محال ؛ فإنا لو فرضنا وقوعه لم يلزم عنه لذاته محال عقلا .

          [2] وإن كان الثاني فالأصل عدمه وعلى مدعيه بيانه .

          [ ص: 234 ] فإن قيل : دليل امتناعه النص والمعقول .

          أما النص : فقوله - عليه السلام - : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يأتي أمر الله ، وحتى يظهر الدجال " .

          [3] وأيضا ما روي عنه - عليه السلام - أنه قال : " واشوقاه إلى إخواني ! ! قالوا : يا رسول الله ، ألسنا إخوانك ؟ فقال : أنتم أصحابي ، إخواني قوم يأتون بعدي يهربون بدينهم من شاهق إلى شاهق ، ويصلحون إذا فسد الناس " .

          [4] وأيضا قوله - عليه السلام - : " العلماء ورثة الأنبياء " [5] وأحق الأمم بالوراثة هذه الأمة ، وأحق الأنبياء بإرث العلم عنه نبي هذه الأمة .

          وأما المعقول : فمن وجهين :

          الأول : أن التفقه في الدين والاجتهاد فيه فرض على الكفاية بحيث إذا اتفق الكل على تركه أثموا ، فلو جاز خلو العصر عمن يقوم به لزم منه اتفاق أهل العصر على الخطأ والضلالة ، وهو ممتنع لما سبق .

          [6] الثاني : أن طريق معرفة الأحكام الشرعية إنما هو الاجتهاد ، فلو خلا العصر عن مجتهد يمكن الاستناد إليه في معرفة الأحكام أفضى إلى تعطيل الشريعة واندراس الأحكام ، وذلك ممتنع ؛ لأنه على خلاف عموم ما سبق من النصوص .

          [ ص: 235 ] والجواب عما ذكروه من النصوص أنها معارضة بما يدل على نقيضها .

          فمن ذلك قوله - عليه السلام - : " بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ " .

          [7] وقوله - عليه السلام - : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ، ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " .

          [8] وقوله - عليه السلام - : " تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها أول ما ينسى " .

          [9] وقوله - عليه السلام - : " لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة " .

          [10] وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " خير القرون القرن الذي أنا فيه ، ثم الذي يليه ، ثم الذي يليه ، ثم تبقى حثالة كحثالة التمر لا يعبأ الله بهم " [11] ، وإذا تعارضت النصوص سلم لنا ما ذكرناه من الدليل أولا .

          [12] وما ذكروه من الوجه الأول من المعقول فجوابه أن يقال : متى يكون التفقه [ ص: 236 ] في الدين والتأهل للاجتهاد فرضا على الكفاية في كل عصر إذا أمكن اعتماد العوام على الأحكام المنقولة إليهم في كل عصر عمن سبق من المجتهدين في العصر الأول بالنقل المغلب على الظن ، أو إذا لم يمكن ، الأول ممنوع والثاني مسلم ، ولكن لا نسلم امتناع ذلك ، وهذا هو الجواب عن الوجه الثاني من المعقول أيضا .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية