الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          وأما الترجيحات العائدة إلى الفرع فأربعة :

          الأول : أن يكون فرع أحد القياسين مشاركا لأصله في عين الحكم وعين العلة ، وفرع الآخر مشاركا لأصله في جنس الحكم وجنس العلة ، أو جنس الحكم وعين العلة ، أو بالعكس ، فما المشاركة فيه في عين العلة وعين الحكم أولى ؛ لأن التعدية باعتبار الاشتراك في المعنى الأخص والأعم أغلب على الظن من الاشتراك في المعنى الأعم ، وعلى هذا فالمعنى فما المشاركة فيه بين الأصل والفرع في عين أحد الأمرين إما الحكم أو العلة ، تكون أولى مما المشاركة فيه بين أصله وفرعه في جنس الأمرين ، وإن كان فرع أحدهما مشاركا لأصله في عين العلة وجنس الحكم والآخر بعكسه ، فما المشاركة فيه في عين العلة وجنس الحكم أولى ؛ لأن تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع إنما هي فرع تعدية العلة ، فهي الأصل في التعدية وعليها المدار .

          الثاني : أن يكون الفرع في أحد القياسين متأخرا عن أصله وفي الآخر متقدما ، فما الفرع فيه متأخر أولى لسلامته عن الاضطراب وبعده عن الخلاف وعلمنا بثبوت الحكم فيه بما استنبط من الأصل .

          [ ص: 280 ] الثالث : أن يكون وجود العلة في أحد الفرعين قطعيا وفي الآخر ظنيا ، فما وجود العلة فيه قطعي أولى ؛ لأنه أغلب على الظن وأبعد عن احتمال القادح فيه .

          الرابع : أن يكون حكم الفرع في أحدهما قد ثبت بالنص جملة لا تفصيلا ، بخلاف الآخر فإنه يكون أولى ؛ لأنه أغلب على الظن وأبعد عن الخلاف .

          وأما الترجيحات العائدة إلى حكم الفرع وإلى أمر خارج فعلى ما أسلفناه في المنقولات .

          وقد يتركب مما ذكرناه من الترجيحات ومقابلات بعضها لبعض ترجيحات أخر خارجة عن الحصر لا يخفى إيجادها في مواضعها على من أخذت الفطانة بيده ، وقد أشرنا إلى جملة منها في كتابنا الموسوم بمنتهى السالك في رتب المسالك ، فعليك بمراجعته .

          وعلى هذا فلا يخفى الترجيح المتعلق بالاستدلالات المتعارضة بالنظر إلى ذواتها وطرق إثباتها .

          وأما التعارض الواقع بين المنقول والمعقول : فالمنقول إما أن يكون خاصا ، وإما عاما .

          فإن كان خاصا : فإما أن يكون دالا بمنظومه ، أو لا بمنظومه .

          فإن كان الأول فهو أولى ؛ لكونه أصلا بالنسبة إلى الرأي وقلة تطرق الخلل إليه .

          وإن كان الثاني فمنه ما هو ضعيف جدا ، ومنه ما هو قوي جدا ، ومنه ما هو متوسط بين الرتبتين ، والترجيح إذ ذاك يكون على حسب ما يقع في نفس من قوة الدلالة وضعفها ، وذلك مما لا ينضبط ولا حاصر له بحيث تمكن الإشارة إليه في هذا الكتاب ، وإنما هو موكول إلى الناظرين في آحاد الصور التي لا حصر لها .

          وأما إن كان المنقول عاما ، فقد قيل بتقديم القياس عليه ، وقيل بتقديم العموم ، وقيل بالتوقف ، وقيل بتقديم على جلي [1] القياس دون خفيه .

          وقيل : يتقدم القياس على ما دخله التخصيص دون ما لم يدخله .

          والمختار إنما هو تقديم القياس ، وسواء كان جليا أو خفيا ؛ لأنه يلزم من العمل بعموم العام إبطال دلالة القياس مطلقا ولا يلزم من العمل بالقياس إبطال العام مطلقا ، بل غاية ما يلزم منه تخصيصه وتأويله .

          [ ص: 281 ] ولا يخفى أن الجمع بين الدليلين على وجه يلزم منه تأويل أحدهما أولى من العمل بأحدهما وإبطال الآخر ، ولأن القياس يتناول المتنازع فيه بخصوصه والمنقول يتناوله بعمومه ، والخاص أقوى من العام .

          فإن قيل : إلا أن العموم أصل والقياس فرع والأصل مقدم على الفرع .

          وأيضا فإن تطرق الخلل إلى العموم أقل من تطرقه إلى القياس ، على ما سبق تقريره ، فكان أولى .

          قلنا : أما الأول فإنما يلزم أن لو كان ما قيل بتقديم القياس عليه هو أصل ذلك القياس ، وليس كذلك ، بل جاز أن يكون فرعا لغيره .

          فإن قيل : وإن لم يكن فرعا لذلك العام بعينه فهو فرع بالنسبة إلى ما هو من جنسه .

          قلنا : إلا أن ذلك لا يمنع من تخصيص العموم بالقياس ، وإلا لما جاز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد لكونه فرعا بالنسبة إلى ما هو من جنسه ، وهو ممتنع على ما سبق .

          وما ذكروه من الترجيح الثاني فهو معارض بمثله ، فإن العام يحتمل أن يكون غير ظاهر في العموم ، وإن كان ظاهرا فيحتمل الخصوص ، واحتمال ذلك في الشرع أغلب من احتمال الغلط من المتبحر على ما لا يخفى .

          ولهذا قيل : إنه ما من عام إلا وهو مخصوص إلا في قوله تعالى : ( والله بكل شيء عليم ) ولا كذلك القياس .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية