[ ص: 237 ] المسألة السابعة
إذا
فإما أن يكون في البلد مفت واحد أو أكثر : حدثت للعامي حادثة ، وأراد الاستفتاء عن حكمها :
فإن كان الأول : وجب عليه الرجوع إليه والأخذ بقوله .
وإن كان الثاني : فقد اختلف الأصوليون :
فمنهم من قال : لا يتخير بينهم حتى يأخذ بقول من شاء منهم ، بل يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتين من الأورع والأدين والأعلم ، وهو مذهب أحمد بن حنبل وابن سريج والقفال من أصحاب وجماعة من الفقهاء والأصوليين ، مصيرا منهم إلى أن قول المفتيين في حق العامي ينزل منزلة الدليلين المتعارضين في حق المجتهد ، وكما يجب على المجتهد الترجيح بين الدليلين فيجب على العامي الترجيح بين المفتيين ، إما بأن يتحفظ من كل باب من الفقه مسائل ، ويتعرف أجوبتها ويسأل عنها ، فمن أجابه أو كان أكثر إصابة اتبعه أو بأن يظهر له ذلك بالشهرة والتسامع ، ولأن طريق معرفة هذه الأحكام إنما هو الظن ، والظن في تقليد الأعلم والأدين أقوى ، فكان المصير إليه أولى . الشافعي
وذهب القاضي أبو بكر وجماعة من الأصوليين والفقهاء إلى التخيير والسؤال لمن شاء من العلماء ، وسواء تساووا أو تفاضلوا ، وهو المختار .
ويدل على ذلك أن الصحابة كان فيهم الفاضل والمفضول من المجتهدين ، فإن الخلفاء الأربعة كانوا أعرف بطريق الاجتهاد من غيرهم ، ولهذا قال - عليه السلام - : " " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ [1] ، وقال - عليه السلام - : " علي ، وأفرضكم زيد ، وأعرفكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل " أقضاكم [2] وكان فيهم العوام ، ومن فرضه الاتباع للمجتهدين والأخذ بقولهم [ ص: 238 ] لا غير ، ومع ذلك لم ينقل عن أحد من الصحابة والسلف تكليف العوام الاجتهاد في أعيان المجتهدين ، ولا نكر أحد منهم اتباع المفضول والاستفتاء له مع وجود الأفضل ، ولو كان ذلك غير جائز لما جاز من الصحابة التطابق على عدم إنكاره والمنع منه ، ويتأيد ذلك بقوله - عليه السلام - : ( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) [3] ، ولولا إجماع الصحابة على ذلك لكان القول بمذهب الخصوم أولى .