الشرط الخامس: أن تكون صيغة الإبراء منجزة:
فإن كانت معلقة كقوله: إذا جاء رأس الشهر فأنت بريء من ديني، أو إذا قدم فلان فأنت بريء من ديني ونحو ذلك، ففي هذا قولان:
القول الأول: صحة الإبراء مع التعليق.
وهذا القول هو ظاهر مذهب المالكية، ورواية عن واختيار شيخ الإسلام. أحمد،
القول الثاني: بطلان الإبراء مع التعليق.
وإليه ذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة، إلا أن الحنفية، والشافعية يستثنون بعض الصور، كما سيأتي إيضاحه.
فالحنفية يرون عدم صحة الإبراء المعلق إلا في مسائل، هي:
1- إذا علق الإبراء على موت الدائن، فإنه يصح; لأنه حينئذ وصية، والوصية جائزة بعد الموت.
2- إذا علق الإبراء على شرط متعارف، ومثاله: لو أبرأته مطلقته بشرط [ ص: 342 ] الإمهار صح التعليق; لأنه شرط متعارف، وتعليق الإبراء على شرط متعارف جائز.
3- تعليق الإبراء على أمر كائن، مثل قوله لمديونه: إن كان عليك دين أبرأتك عنه، أو يقول: إن أعطيته شريكي فقد أبرأتك، وقد أعطاه.
وأما الشافعية فهم أيضا يرون عدم صحة الإبراء المعلق، إلا أنهم استثنوا صورتين:
الصورة الأولى: صحة تعليق الإبراء على موت المبرئ، واعتباره في حكم الوصية، مثاله: أن يقول: أبرأتك بعد موتي، أو: إذا مت فأنت بريء من كذا.
الصورة الثانية: في الجعالة كما لو قال: إن رددت عبدي فأنت بريء من ديني فإذا رده برئ.
الأدلة:
أدلة القول الأول: (صحة الإبراء المعلق):
استدل لهذا الرأي بما تقدم من الأدلة على صحة تعليق الهبة.
أدلة الرأي الثاني:
استدلوا بالأدلة الآتية:
1- ما تقدم من الأدلة على عدم صحة تعليق الهبة.
وقد تقدم مناقشة هذه الأدلة.
2- أن الإبراء فيه معنى التمليك، والتمليك لا يصح تعليقه.
ونوقش هذا الاستدلال: أن دعوى أن الإبراء فيه معنى التمليك [ ص: 343 ] صحيحة، إلا أن فيه معنى الإسقاط من وجه آخر، كما تقدم إيضاحه حول اشتراط قبول المبرأ.
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- صحة الإبراء المعلق; لما في ذلك من الإبراء المرغب فيه شرعا، والذي بموجبه فكاك ذمة المدين وتخليصه من ذل الدين.