والثاني يضاهي تعويد الصبي الذي يراد منه المصارعة والمقاتلة بمباشرة أسباب ذلك منذ الصبا حتى يأنس به ويستجرئ ، عليه ، وتقوى فيه منته ، فمن ترك بالكلية المجاهدة بالصبر ضعف فيه باعث الدين ، ولا يقوى على الشهوة ، وإن ضعفت ، . ومن عود نفسه مخالفة الهوى غلبها مهما أراد
فهذا منهاج العلاج في جميع أنواع الصبر ، ولا يمكن استيفاؤه ، وإنما أشدها كف الباطن عن حديث النفس وإنما يشتد ذلك على من تفرغ له بأن قمع الشهوات الظاهرة ، وآثر العزلة وجلس للمراقبة والذكر والفكر ، فإن الوسواس لا يزال يجاذبه من جانب إلى جانب وهذا لا علاج له البتة إلا قطع العلائق كلها ظاهرا وباطنا بالفرار عن الأهل والولد والمال والجاه والرفقاء والأصدقاء ثم الاعتزال إلى زاوية بعد إحراز قدر يسير من القوت وبعد القناعة به ثم كل ذلك لا يكفي ما لم تصر الهموم هما واحدا وهو الله تعالى ثم إذا غلب ذلك على القلب فلا يكفي ذلك ما لم يكن له مجال في الفكر ، وسير بالباطن في ملكوت السموات والأرض ، وعجائب صنع الله تعالى ، وسائر أبواب معرفة الله تعالى ، حتى إذا استولى ذلك على قلبه دفع اشتغاله بذلك مجاذبة الشيطان ووسواسه وإن لم يكن له سير بالباطن فلا ينجيه إلا الأوراد المتواصلة المترتبة في كل لحظة من القراءة والأذكار والصلوات ، ويحتاج مع ذلك إلى تكليف القلب الحضور فإن الفكر بالباطن هو الذي يستغرق القلب دون الأوراد الظاهرة ثم إذا فعل ذلك كله لم يسلم له من الأوقات إلا بعضها : إذ لا يخلو في جميع أوقاته عن حوادث تتجدد فتشغله عن الفكر والذكر ، من مرض ، وخوف ، وإيذاء من إنسان ، وطغيان من مخالط ، إذ لا يستغني عن مخالطة من يعينه في بعض أسباب المعيشة فهذا أحد الأنواع الشاغلة .