الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والخائف من الخاتمة ، بالإضافة إلى الخائف من السابقة ، كرجلين وقع الملك في حقهما بتوقيع يحتمل أن يكون فيه حز الرقبة : ويحتمل أن يكون في تسليم الوزارة ، إليه ولم يصل التوقيع إليهما بعد ، فيرتبط قلب أحدهما بحالة وصول التوقيع ، ونشره ، وأنه عماذا يظهر ، ويرتبط قلب الآخر بحالة توقيع الملك ، وكيفيته ، وأنه ما الذي خطر له في حال التوقيع من رحمة . أو غضب وهذا التفات إلى السبب ، فهو أعلى من الالتفات إلى ما هو فرع ، فكذلك الالتفات إلى القضاء الأزلي الذي جرى بتوقيعه القلم أعلى من الالتفات إلى ما يظهر في الأبد وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان على المنبر فقبض كفيه اليمنى ثم قال : هذا كتاب الله كتب فيه أهل الجنة بأسمائهم ، وأسماء آبائهم ، لا يزاد فيهم ، ولا ينقص ، ثم قبض كفه اليسرى وقال : هذا كتاب الله كتب فيه أهل النار بأسمائهم ، وأسماء آبائهم ، لا يزاد فيهم ولا ينقص ، وليعملن أهل السعادة بعمل أهل الشقاوة حتى يقال كأنهم منهم بل هم هم ثم يستنقذهم الله قبل الموت ولو بفواق ناقة وليعملن أهل الشقاوة بعمل أهل السعادة حتى يقال كأنهم منهم بل هم هم ، ثم يستخرجهم الله قبل الموت ولو بفواق ناقة السعيد من سعد بقضاء الله ، والشقي من شقي بقضاء الله ، والأعمال بالخواتيم .

التالي السابق


(والخائف من الخاتمة، بالإضافة إلى الخائف من السابقة، كرجلين وقع الملك في حقهما بتوقيع يحتمل أن يكون فيه جز الرقبة) أي: هلاكه، (ويحتمل أن يكون فيه تسليم الوزارة إليهما، ولم يصل التوقيع إليهما بعد، فيرتبط قلب أحدهما بحالة وصول التوقيع، ونشره، وأنه عماذا يظهر، ويرتبط قلب الآخر بحالة توقيع الملك، وكيفيته، وأنه ما الذي خطر له في حال التوقيع من رحمة أو غضب. وهذا التفات إلى السبب، وهو أعلى من الالتفات إلى ما هو فرع، فكذلك الالتفات إلى القضاء الأزلي الذي جرى بتوقيعه القلم أعلى من الالتفات إلى ما هو يظهر في الأبد) بعدما كان في حيز العدم. (وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان) ذات يوم (على المنبر فقبض كفه اليمنى ثم قال: هذا كتاب الله كتب فيه أهل الجنة بأسمائهم، وأسماء آبائهم وأنسابهم، لا يزاد فيهم، ولا ينقص، ثم قبض كفه اليسرى وقال: هذا كتاب الله كتب فيه أهل النار بأسمائهم، وأسماء آبائهم وأنسابهم، لا يزاد فيهم ولا ينقص، وليعملن أهل السعادة بعمل أهل الشقاوة حتى يقال كأنهم منهم بل هم هم ثم يستنقذهم الله قبل الموت ولو بفواق ناقة) . وهذا يكون عند بلوغ الروح التراقي، وتكون النفس قد خرجت من جميع الجسد واجتمعت في القلب إلى الحلقوم، وهذا هو شبر كما في الرواية الأخرى، وفواق الناقة هو ما بين الحلبتين، وقيل: هو شوط من عدوها بين سيرين، (وليعملن أهل الشقاوة بعمل أهل السعادة حتى يقال كأنهم منهم بل هم هم، ثم يستخرجهم الله قبل الموت ولو بفواق ناقة) . وهذا من تقليبات القلوب عن حقيقة وجهة التوحيد إلى وجهة الضلال والشرك، عندما يبدو من زوال عقل الدنيا، وذهاب علم المعقول، فيبدو له من الله ما لم يكن يحتسب، (السعيد من سعد بقضاء الله، والشقي من شقي بقضاء الله، والأعمال بالخواتيم) .

قال العراقي: رواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال: حسن صحيح غريب. اهـ .

قلت: وروى الطبراني والبزار من حديث ابن عمر: وإن العبد يلبث مؤمنا أحقابا ثم أحقابا ثم يموت والله عز وجل عليه ساخط، وإن العبد يلبث كافرا أحقابا ثم أحقابا ثم يموت والله عز جل عنه راض. وروى الخطيب من حديث عائشة إن العبد ليعمل الزمن الطويل من عمره أو كله بعمل أهل الجنة، وإنه لمكتوب عند الله من أهل النار، وإن العبد ليعمل الزمن الطويل من عمره أو أكثره بعمل أهل النار، وإنه لمكتوب عند الله من أهل الجنة. وروى الطبراني من حديث ابن مسعود: إن العبد يولد مؤمنا، ويعيش مؤمنا، [ ص: 206 ] ويموت كافرا، وإن العبد يولد كافرا، ويعيش كافرا، ويموت مؤمنا، وإن العبد ليعمل برهة من دهره بالسعادة ثم يدركه ما كتب له فيموت شقيا، وإن العبد ليعمل برهة من دهره بالشقاء ثم يدركه ما كتب له فيموت سعيدا.

وقال صاحب القوت بعد أن ذكر خوف أهل الخصوص: وقد جاء معنى ما ذكرناه في حديثين أحدهما عام، والآخر خاص، وكل من لم يستعمل قلبه في بدايته، ويجعل الخوف حشو إرادته لم ينجب في خاتمته، ولم يكن إماما للمتقين عند علو معرفته. وأعلى الخوف أن يكون قلبه معلقا بخوف الخاتمة، ولا يسكن إلى علم ولا عمل، ولا يقطع على النجاة بشيء من العلوم، وإن علمت، ولا لسبب من الأعمال وإن جلت لعلمه بتحقيق الخواتم، فقد قيل: إنما يوزن من الأعمال خواتيمها. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة خمسين سنة حتى يقال إنه من أهل الجنة، وفي خبر آخر: حتى ما يبقى بينه وبين الجنة إلا شبر، وفي لفظ آخر: إلا فواق ناقة ثم يسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار. قال: ولا يتأتى في هذا المقدر من الوقت شيء من عمل الجسم بالجوارح إنما هو من أعمال القلوب بمشاهدة العقول، وهو شرك التوحيد الذي لم يكن في الحياة الدنيا مشاهدا له، ظهر له بيان ذلك عند كشف الغطاء، فغلب عليه وصفه، وبدت فيه حاله، كما تظهر له أعماله السيئة فيستحليها قلبه أو ينطق بها لسانه أو يخامرها وجده، فتكون هي خاتمته التي تخرج عليها روحه، وذلك هو سابقته التي سبقت له من الكتاب كما قال تعالى: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ، يكون عند مفارقة الروح الجسد وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص اهـ .

وروى البزار من حديث أبي هريرة: السعيد من سعد في بطن أمه، والشقي من شقي في بطن أمه. وسنده صحيح، وروى مسلم وابن ماجه وابن عساكر من حديث معاوية: إنما الأعمال بخواتيمها.. الحديث، وقد تقدم. ومن هنا خوف العارفين حيث إنهم لم يعرفوا أنهم من أي القبضتين المذكورتين، ومن أي الفريقين المذكورين في قوله تعالى: فريق في الجنة وفريق في السعير ، وفي قوله تعالى: فمنهم شقي وسعيد ، وقوله تعالى: فمنكم كافر ومنكم مؤمن ، وقوله: إما شاكرا وإما كفورا .




الخدمات العلمية