الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن جملة المعميات الإلف ، والعادة وحب استصحابهما ، وعنه العبارة بقوله تعالى : إنا وجدنا آباءنا على أمة الآية وعن الكبر والحسد العبارة بقوله تعالى : وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وقوله تعالى : أبشرا منا واحدا نتبعه فهذه المعميات هي التي منعت الاهتداء والهداية الثانية وراء هذه الهداية العامة وهي التي يمد الله تعالى بها العبد حالا بعد حال وهي ثمرة المجاهدة حيث ، قال تعالى : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ، وهو المراد بقوله تعالى : والذين اهتدوا زادهم هدى والهداية الثالثة وراء الثانية وهو النور الذي يشرق في عالم النبوة ، والولاية ، بعد كمال المجاهدة فيهتدي ، بها إلى ما لا يهتدى إليه بالعقل ، الذي يحصل به التكليف ، وإمكان تعلم العلوم وهو الهدى المطلق وما عداه حجاب له ومقدمات ، وهو الذي شرفه الله تعالى بتخصيص الإضافة إليه ، وإن كان الكل من جهته تعالى ، فقال تعالى : قل إن هدى الله هو الهدى وهو المسمى حياة في قوله تعالى : أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس والمعنى ، بقوله تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه .

التالي السابق


( ومن جملة المعميات الإلف، والعادة) بالشيء (وحب استصحابهما، وعنه العبارة بقوله تعالى: إنا وجدنا آباءنا على أمة) وإنا على آثارهم مقتدون ، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: حبك للشيء يعمي ويصم. (وعن الكبر والحسد العبارة بقوله تعالى: وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) ، وقد تقدم الكلام عليه. (وقوله تعالى: أبشرا منا واحدا نتبعه) إنا إذا لفي ضلال وسعر ، فكل ذلك منشؤه التكبر على المؤمنين، والتحاسد على ما أعطاهم الله تعالى. (فهذه هي المعميات التي منعت الاهتداء) وأشدها حب الدنيا فإنه رأس كل خطيئة. (والهداية الثانية وراء هذه الهداية العامة) التي هي الأولى (وهي التي يمد الله تعالى بها العبد حالا بعد حال بحسب استزادته) من العلم والعمل الصالح، وهو التوفيق الذي يختص به من اهتدى، (وهي ثمرة المجاهدة، قال تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ، وهو المراد بقوله تعالى: والذين اهتدوا زادهم هدى) وآتاهم تقواهم ، وقوله تعالى: ومن يؤمن بالله يهد قلبه .

(والهداية الثالثة وراء الثانية وهو النور الذي يشرق في عالم النبوة، والولاية، بعد كمال المجاهدة، فيهتدى بها إلى ما لا يهتدى إليه بالعقل، الذي يحصل به التكليف، وإمكان تعلم العلوم به) وعبر بعضهم عن هذه الهداية بنور الولاية التي هي في أفق نور النبوة، ولعل هذا التعبير أوفق للمقام من تعبير المصنف. (وهو الهدى المطلق وما عداه حجاب له ومقدمات، وهو الذي شرفه الله تعالى بتخصيص الإضافة إليه، وإن كان الكل [ ص: 98 ] من جهته تعالى، فقال تعالى: قل إن هدى الله هو الهدى ) ، فأضاف ذلك إلى لفظ الله تعظيما له كقوله: بيت الله، ثم قال هو الهدى، فجعله الهدى المطلق، وكذلك قوله تعالى: "هدى للمتقين"، فالهدى والهداية في موضوع اللغة واحد، ولكن قد خص الله لفظ الهدى بما تولاه وأعطاه، واختص هو به دون ما هو إلى الإنسان (وهو المسمى حياة في قوله تعالى: أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ، و) نورا (بقوله تعالى: أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ) وبقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ، أي نورا تفرقون به بين الحق والباطل .

وبتحري هذه المنازل الثلاثة يتوصل إلى الهداية للجنة في الآخرة، وهي المذكورة في قوله تعالى: وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله الآية. وهذه الهدايات الأربع مرتبة فمن لم يحصل له الأولى لا يحصل له الثانية، بل لا يصح تكليفه، ومن لم يحصل له الثانية لا يحصل له الثالثة والرابعة، والإنسان لا يقدر أن يهدي أحدا إلا بالدعاء أو تعريف الطرق دون سائر الهدايات، وإلى سائر الهدايات أشار بقوله: إنك لا تهدي من أحببت . وكل هداية ذكر الله فيها أنه منع الكافرين والظالمين فهي الهداية الثالثة التي هي التوفيق الذي يختص به المهتدون، والرابعة التي هي الثواب في الآخرة، وإدخال الجنة، المشار إليها بقوله تعالى: كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم ، إلى قوله: والله لا يهدي القوم الظالمين . وكل هداية نفاها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن البشر، وذكر أنهم غير قادرين عليها، فهي ما عدا المختص به من الدعاء، وتعريف الطريق، وذلك كإعطاء العقل، والتوفيق، وإدخال الجنة، وإلى هذا المعنى أشار بقوله: أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ، وقوله: ومن يهد الله فهو المهتدي ، أي طالب الهدى ومتحريه هو الذي يوفقه ويهديه إلى طريق الجنة لا من ضاده، فتحري طريق الضلالة والكفر كقوله: والله لا يهدي القوم الكافرين ، وقوله: إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ، الكاذب الكفار هو الذي لا يقبل هدايته، فإن ذلك راجع إلى هذا، وإن لم يكن موضوعا لذلك، ومن لم يقبل هدايته لم يهتد. وأما قوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم ، فقد قيل عنى به الهداية العامة التي هي العقل، وألسنة الأنبياء، وأمرنا بأن نقول ولكن بألسنتنا، وإن كان قد فعل ليعطينا ثوابا، كما أمرنا أن نقول اللهم صل على محمد، وإن كان قد صلى عليه بقوله: إن الله وملائكته يصلون على النبي ، وقيل: إن ذلك دعاء يحفظنا من استغواء الغواة، واستهواء الشهوات، وقيل: هو سؤال للتوفيق الموعود في قوله: والذين اهتدوا زادهم هدى .




الخدمات العلمية