الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بيان حد الشكر وحقيقته .

اعلم أن الشكر من جملة مقامات السالكين وهو أيضا ينتظم من علم وحال وعمل ، فالعلم هو الأصل فيورث الحال ، والحال يورث العمل فأما العلم فهو معرفة النعمة من المنعم والحال هو ، الفرح الحاصل بإنعامه ، والعمل هو القيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه ، ويتعلق ذلك العمل بالقلب وبالجوارح وباللسان ولا بد من ، بيان جميع ذلك ليحصل بمجموعه الإحاطة بحقيقة الشكر ، فإن كل ما قيل في حد الشكر قاصر عن الإحاطة بكمال معانيه .

فالأصل الأول العلم ، وهو علم بثلاثة أمور بعين النعمة ، ووجه كونها نعمة في حقه ، وبذات المنعم ووجود صفاته التي بها يتم الإنعام ، ويصدر الإنعام منه عليه ، فإنه لا بد من نعمة ومنعم ومنعم عليه تصل إليه النعمة من المنعم بقصد وإرادة ، فهذه الأمور لا بد من معرفتها هذا في حق غير الله تعالى، فأما في حق الله تعالى فلا يتم إلا بأن يعرف أن النعم كلها من الله وهو المنعم والوسائط مسخرون من جهته .

وهذه المعرفة وراء التوحيد والتقديس إذ دخل التقديس والتوحيد فيها بل الرتبة الأولى في معارف الإيمان التقديس ثم إذا عرف ذاتا مقدسة فيعرف أنه لا مقدس إلا واحد وما عداه غير مقدس ، وهو التوحيد ثم يعلم أن كل ما في العالم فهو موجود من ذلك الواحد فقط فالكل نعمة منه ، فتقع هذه المعرفة في الرتبة الثالثة إذ ينطوي فيها مع التقديس والتوحيد كمال القدرة والانفراد بالفعل ، وعن هذا عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : " من قال سبحان الله فله عشر حسنات ، ومن قال لا إله إلا الله فله عشرون حسنة ، ومن قال الحمد لله فله ثلاثون حسنة " وقال صلى الله عليه وسلم : أفضل الذكر لا إله إلا الله ، وأفضل الدعاء الحمد لله وقال ليس شيء من الأذكار يضاعف ما يضاعف الحمد لله ولا تظنن أن هذه الحسنات بإزاء تحريك اللسان بهذه الكلمات من غير حصول معانيها في القلب ، فسبحان الله كلمة تدل على التقديس ولا إله إلا الله كلمة تدل على التوحيد والحمد لله كلمة تدل على معرفة النعمة من الواحد الحق فالحسنات بإزاء هذه المعارف التي هي من أبواب الإيمان واليقين .

التالي السابق


(بيان حد الشكر وحقيقته)

(اعلم) أنهم قد اختلفوا في الفرق بين الحمد والشكر أيهما أفضل، وفي الحديث المتقدم: "الحمد رأس الشكر، فمن لم يحمد الله لم يشكره"، والفرق بينهما أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه، وأخص من جهة متعلقاته، والحمد أعم من جهة المتعلقات، وأخص من جهة الأسباب، ومعنى هذا أن الشكر يكون بالقلب خضوعا واستكانة، وباللسان ثناء واعترافا، وبالجوارح طاعة وانقيادا، ومتعلقه النعم دون الأوصاف الذاتية، فلا يقال شكرنا الله على حياته، وسمعه، وبصره، وعلمه، وهو المحمود بها، كما هو محمود على إحسانه وعدله .

والشكر يكون على الإحسان والنعم، فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس، وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس، فإن الشكر يقع بالجوارح، والحمد باللسان، فإذا عرفت ذلك فاعلم (أن الشكر من جملة مقامات السالكين) ، وهو الثالث من مقامات اليقين، (وهو أيضا) كما تقدم (ينتظم من علم وحال وعمل، فالعلم هو الأصل فيورث الحال، والحال يورث العمل) وبه يتضح الفرق بين المقامات والأحوال، وقد تقدم الكلام عليه في شرح كتاب التوبة .

(أما العلم فهو معرفة النعمة من المنعم، وأما الحال فهو الفرح الحاصل بإنعامه، والعمل هو القيام بمقصود المنعم ومحبوبه، ويتعلق ذلك العمل بالقلب وبالجوارح واللسان، ولابد من بيان ذلك ليحصل بمجموعه الإحاطة بحقيقة الشكر، فإن كل ما قيل في حد الشكر) على ما سيأتي بيانه (قاصر عن الإحاطة بكمال معانيه، فالأصل الأول العلم، وهو العلم بثلاثة أمور بعين النعمة، ووجه كونها نعمة في حقه، وبذات المنعم ووجود صفاته التي يتم بها الإنعام، ويصدر الإنعام منه عليه، فإنه لابد من نعمة ومنعم عليه تصل إليه النعمة من المنعم بقصد وإرادة، فهذه الأمور لابد من معرفتها هذا في حق غير الله) تعالى (والوسائط مسخرون من جهته، وهذه المعرفة وراء التوحيد والتقديس إذ دخل التقديس والتوحيد فيها بل الرتبة الأولى في معارف الإيمان التقديس) وأعني به تنزيه الرب عن الجسمية وتوابعها (ثم إذا عرف ذاتا مقدسة فيعرف أنه لا مقدس إلا واحد وما عداه غير مقدس، وهو التوحيد) وهي الرتبة الثانية، (ثم يعلم أن كل ما في العالم فهو موجود من ذلك الواحد فقط) ، وأنه هو الذي أفاض الوجود عليه، (بل الكل نعمة منه، فتقع هذه المعرفة في الرتبة الثالثة) من رتب الإيمان (إذ ينطوي فيها مع التقديس والتوحيد كمال القدرة والانفراد بالفعل، وعن هذا عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "من قال سبحان الله فله عشر حسنات، ومن قال لا إله إلا الله فله عشرون حسنة، ومن قال الحمد لله فله ثلاثون حسنة") ، تقدم في كتاب الأذكار والدعوات، قال صاحب القوت: ليس لأن الحمد أعلى من التوحيد، ولكن لفضل مقام الشكر، ولأن الله تعالى افتتح به كلامه في كتابه. (وقال صلى الله عليه وسلم: أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله) . قال العراقي : رواه الترمذي ، وحسنه والنسائي في اليوم والليلة، وابن ماجه وابن حيان من حديث جابر، انتهى .

قلت: ورواه كذلك الحاكم وعند البيهقي وابن النجار: "أفضل الدعاء لا إله إلا الله، وأفضل الذكر الحمد لله".

(وقال) صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء من الأذكار يضاعف ما يضاعف الحمد لله) هكذا هو في القوت، وقال العراقي : لم أجده مرفوعا، وإنما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر عن إبراهيم النخعي قال: يقال إن الحمد أكثر الكلام تضعيفا .

(ولا نظن أن هذه الحسنات بإزاء تحريك اللسان بهذه [ ص: 50 ] الكلمات من غير حصول معانيها في القلب، فسبحان الله كلمة تدل على التقديس) إذ التسبيح لغة التقديس والتنزيه، يقال: سبحت الله أي: نزهته عما يقوله الجاحدون، (ولا إله إلا الله كلمة تدل على التوحيد) إذ معناها لا معبود بحق إلا الله، (والحمد لله كلمة تدل على معرفة النعمة من الواحد الحق) لا غيره، وهو المنعم المطلق، (فالحسنات بإزاء هذه المعارف التي هي من أبواب الإيمان واليقين) ومنها يدخل إليهما .




الخدمات العلمية