وخلق الحياة شرط لخلق العلم وخلق العلم شرط ، لخلق الإرادة ، والكل من أفعال الله تعالى ، وبعضها سبب للبعض أي هو : شرط ، ومعنى كونه شرطا أنه لا يستعد لقبول فعل الحياة إلا جوهر ، ولا يستعد لقبول العلم إلا ذو حياة ، ولا لقبول الإرادة إلا ذو علم ، فيكون بعض أفعاله سببا للبعض بهذا المعنى لا بمعنى أن بعض أفعاله موجد لغيره بل ممهد شرط الحصول لغيره ، وهذا إذا حقق ارتقى إلى درجة التوحيد الذي ذكرناه .
فإن قلت : فلم قال الله تعالى اعملوا وإلا فأنتم معاقبون مذمومون على العصيان ، وما إلينا شيء فكيف نذم ، وإنما الكل إلى الله تعالى ؟ فاعلم أن هذا القول من الله تعالى سبب لحصول اعتقاد فينا ، والاعتقاد سبب لهيجان الخوف ، وهيجان الخوف سبب لترك الشهوات ، والتجافي : عن دار الغرور ، وذلك سبب للوصول إلى جوار الله والله تعالى مسبب الأسباب ومرتبها فمن سبق له في الأزل السعادة يسر له هذه الأسباب حتى يقوده بسلسلتها إلى الجنة ويعبر عن مثله بأن ومن لم يسبق له من الله الحسنى بعد عن سماع كلام الله تعالى ، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلام العلماء ، فإذا لم يسمع لم يعلم وإذا لم يعلم لم يخف ، وإذا لم يخف لم يترك الركون إلى الدنيا ، وإذا لم يترك الركون إلى الدنيا بقي في حزب الشيطان كلا ميسر لما خلق له ، وإن جهنم لموعدهم أجمعين . فإذا عرفت هذا تعجبت من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل فما من أحد إلا وهو مقود إلى الجنة بسلاسل الأسباب ، وهو تسليط العلم والخوف عليه ، وما من مخذول إلا وهو مقود إلى النار بالسلاسل ، وهو تسليط الغفلة والأمن والغرور عليه ، فالمتقون يساقون إلى الجنة قهرا ، والمجرمون يقادون إلى النار قهرا ، ولا قاهر إلا الله الواحد القهار .
، ولا قادر إلا الملك الجبار واذا انكشفت الغطاء عن أعين الغافلين فشاهدوا ، الأمر كذلك ، سمعوا عند ذلك نداء المنادي لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ، ولقد كان الملك لله الواحد القهار كل يوم لا ذلك على الخصوص ولكن الغافلين لا يسمعون هذا النداء إلا ذلك اليوم فهو نبأ عما يتجدد للغافلين من كشف الأحوال حيث لا ينفعهم الكشف ، فنعوذ بالله الحليم الكريم من الجهل والعمى ، فإنه أصل أسباب الهلاك .