ولنقتصر على هذا القدر فقد خرج عنان الكلام عن قبضة الاختيار ، وامتزج بعلم المعاملة ما ليس منه ، فلنرجع إلى مقاصد الشكر فنقول : إذا رجع حقيقة الشكر إلى كون العبد مستعملا في إتمام حكمة الله تعالى ، وأقربهم إلى الله الملائكة ولهم أيضا ترتيب وما منهم إلا وله مقام معلوم وأعلاهم في رتبة القرب ملك اسمه فأشكر العباد : أحبهم إلى الله ، وأقربهم إليه إسرافيل عليه السلام وإنما علو درجتهم لأنهم في أنفسهم كرام بررة ، وقد أصلح الله تعالى بهم الأنبياء عليهم السلام وهم : أشرف مخلوق على وجه الأرض ويلي ، درجتهم درجة الأنبياء فإنهم في أنفسهم أخيار ، وقد هدى الله بهم سائر الخلق وتمم بهم حكمته وأعلاهم رتبة نبينا صلى الله عليه وسلم وعليهم إذ أكمل الله به الدين وختم به النبيين ويليهم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء فإنهم في أنفسهم صالحون ، وقد أصلح الله بهم سائر الخلق ودرجة كل واحد منهم بقدر ما أصلح من نفسه ومن غيره ، ثم يليهم السلاطين بالعدل لأنهم أصلحوا دنيا الخلق كما أصلح العلماء دينهم ولأجل اجتماع الدين والملك والسلطنة محمد صلى الله عليه وسلم كان أفضل من سائر الأنبياء فإنه أكمل الله به صلاح دينهم ودنياهم ولم يكن السيف والملك لغيره من الأنبياء ثم يلي العلماء والسلاطين الصالحون الذين أصلحوا دينهم ونفوسهم فقط فلم تتم حكمة الله بهم بل فيهم ومن عدا هؤلاء فهمج رعاع . لنبينا
واعلم أن السلطان به قوام الدين فلا ينبغي أن يستحقر وإن كان ظالما فاسقا قال رحمه الله : عمرو بن العاص . إمام غشوم خير من فتنة تدوم
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : سيكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون ويفسدون ، وما يصلح الله بهم أكثر ، فإن أحسنوا فلهم الأجر وعليكم الشكر ، وإن أساءوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر .
وقال سهل من أنكر إمامة السلطان فهو زنديق ، ومن دعاه السلطان فلم يجب فهو مبتدع ، ومن أتاه من غير دعوة فهو جاهل .
وسئل أي الناس خير ؟ فقال : السلطان ، فقيل : كنا نرى أن شر الناس السلطان ، فقال : مهلا إن لله تعالى له كل يوم نظرتين ، نظرة إلى سلامة أموال المسلمين ، ونظرة إلى سلامة أبدانهم ، فيطلع في صحيفته فيغفر له جميع ذنبه . وكان يقول : الخشبات السود المعلقة على أبوابهم خير من سبعين قاصا يقصون .
.