الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الطرف الخامس في نعم الله تعالى في الأسباب الموصلة للأطعمة إليك

اعلم أن هذه الأطعمة كلها لا توجد في كل مكان بل لها شروط مخصوصة لأجلها توجد في بعض الأماكن دون بعض ، والناس منتشرون على وجه الأرض وقد تبعد عنهم الأطعمة ويحول بينهم وبينها البحار والبراري . فانظر كيف سخر الله تعالى التجار ، وسلط عليهم حرص حب المال وشهوة الربح ، مع أنهم لا يغنيهم في غالب الأمر شيء بل يجمعون فإما أن تغرق بها : السفن أو تنهبها قطاع الطريق أو يموتوا في بعض البلاد فيأخذها السلاطين وأحسن أحوالهم أن يأخذها ورثتهم ، وهم أشد أعدائهم لو عرفوا فانظر كيف سلط الله الجهل والغفلة عليهم حتى يقاسوا الشدائد في طلب الربح ، ويركبوا الأخطار : ويغرروا بالأرواح في ركوب البحر ، فيحملون الأطعمة وأنواع الحوائج من أقصى الشرق والغرب إليك ، وانظر كيف علمهم الله تعالى صناعة السفن وكيفية الركوب فيها وانظر كيف خلق الحيوانات وسخرها للركوب والحمل في البراري وانظر إلى الإبل كيف خلقت ، وإلى الفرس كيف أمدت بسرعة الحركة وإلى الحمار كيف جعل صبورا على التعب ، وإلى الجمال كيف تقطع البراري ، وتطوي المراحل تحت الأعباء : الثقيلة على الجوع والعطش ، وانظر كيف سيرهم الله تعالى بواسطة السفن والحيوانات في البر والبحر ليحملوا إليك الأطعمة وسائر الحوائج وتأمل ما يحتاج إليه الحيوانات من أسبابها وأدواتها وعلفها ، وما تحتاج إليه السفن . فقد خلق الله تعالى جميع ذلك إلى حد الحاجة وفوق الحاجة ، وإحصاء ذلك غير ممكن ، ويتمادى ذلك إلى أمور خارجة عن الحصر نرى تركها طلبا للإيجاز

.

التالي السابق


(الطرف الخامس) (في) بيان (نعم الله تعالى في الأسباب الموصلة للأطعمة إليك)

(اعلم) أرشدك الله تعالى (أن هذه الأطعمة كلها لا توجد في كل مكان بل لها شروط مخصوصة لأجلها توجد في بعض الأماكن دون بعض، والناس منتشرون على وجه الأرض) شرقها وغربها وشمالها وجنوبها (وقد تبعد عنهم الأطعمة) ولا يمكنهم تحصيلها (وتحول بينهم وبينها البحار والبراري. فانظر كيف سخر الله التجار، وسلط عليهم حرص حب المال وشره الربح، مع أنهم لا يغنيهم في غالب الأمر شيئا بل يجمعون فإما أن تغرق بها) أي: بتلك الأطعمة (السفن) إن كانوا في البحر (أو تنهبها قطاع الطريق) إن كانوا في البر (أو يموتون في بعض البلاد فيأخذها السلاطين) ظلما وعدوانا (وأحسن أحوالهم أن يأخذها ورثتهم، وهم أشد أعدائهم لو عرفوا) فإنهم يتمنون موته لأجل المال .

(فانظر كيف سلط الله الجهل والغفلة عليهم حتى يقاسوا الشدائد في طلب الربح، ويركبوا الأخطار) أي: الأمور الصعبة (ويغرروا بالأرواح في ركوب البحر، فيحملون الأطعمة وأنواع الحوائج من أقصى الشرق والغرب إليك، فانظر كيف علمهم الله تعالى صناعة السفن) وهي علم مستقل (وكيفية الركوب فيها) وتمشيتها فوق الماء بالمجاديف، (وانظر كيف خلق الحيوانات) بأنواعها (وسخرها للركوب والحمل في البراري) كما أشار إليه قوله تعالى: ومن الأنعام حمولة وفرشا ، وقوله تعالى: وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس . (فانظر إلى الإبل كيف خلقت، وإلى الفرس كيف أمدت بسرعة الحركة) في الركض (وإلى الحمار كيف جعل صبورا على التعب، وإلى الجمال كيف تقطع البراري، وتطوي المراحل تحت الأعباء) أي: الأحمال (الثقيلة على الجوع والعطش، وانظر كيف سيرهم الله تعالى بواسطة السفن والحيوانات في البر والبحر ليحملوا إليك الأطعمة وسائر الحوائج) ولولا ذلك وكلفت أنت ذلك لتعبت تعبا شديدا (وتحمل ما تحتاج إليه الحيوانات من أسبابها وأدواتها وعلفها، وما تحتاج إليه السفن. فقد خلق الله جميع ذلك إلى حد الحاجة وفوق الحاجة، وإحصاء ذلك غير ممكن، ويتمادى ذلك إلى أمور خارجة عن الحصر نرى تركها) الآن (طلبا للإيجاز) وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية