وعلى كل جفن شعور سود ، : أنها تجمع ضوء العين ؛ إذ البياض يفرق الضوء ، والسواد يجمعه ونعمة الله تعالى في ترتيبها صفا واحدا أن يكون مانعا للهوام من الدبيب إلى باطن العين ، ومتشبثا للأقذاء التي تتناثر في الهواء وله في كل شعرة منها نعمتان من حيث لين أصلها ، ومع اللين قوام نصبها وله في اشتباك الأهداب نعمة أعظم من الكل وهو أن غبار الهواء قد يمنع من فتح العين ، ولو طبق لم يبصر ، فيجمع الأجفان مقدار ما تتشابك الأهداب فينظر من وراء شباك الشعر فيكون شباك الشعر مانعا من وصول القذى من خارج ، وغير مانع من امتداد البصر من داخل ، ثم إن أصاب الحدقة غبار فقد خلق أطراف الأجفان حادة منطبقة على الحدقة كالمصقلة للمرآة فيطبقها مرة أو مرتين ، وقد انصقلت الحدقة من الغبار وخرجت الأقذاء إلى زوايا العين والأجفان والذباب لما لم يكن لحدقته جفن خلق له يدين فتراه على الدوام يمسح بهما حدقتيه ليصقلهما من الغبار وإذ تركنا الاستقصاء لتفاصيل النعم لافتقاره إلى تطويل يزيد على أصل هذا الكتاب ، ولعلنا نستأنف له كتابا مقصودا فيه إن أمهل الزمان ، وساعد التوفيق ، نسميه عجائب صنع الله تعالى فلنرجع إلى غرضنا فنقول : من نظر إلى غير محرم فقد كفر بفتح العين نعمة الله تعالى في الأجفان ، ولا تقوم الأجفان إلا بعين ، ولا العين إلا برأس ، ولا الرأس إلا بجميع البدن ، ولا البدن إلا بالغذاء ، ولا الغذاء إلا بالماء والأرض والهواء والمطر والغيم والشمس والقمر ، ولا يقوم شيء من ذلك إلا ، بالسموات ولا السموات إلا بالملائكة ، فإن الكل كالشيء الواحد يرتبط البعض منه بالبعض ارتباط أعضاء البدن بعضها ببعض ، فإذا قد كفر كل نعمة في الوجود من منتهى الثريا إلى منتهى الثرى فلم يبق فلك ولا ملك ولا حيوان ولا نبات ولا جماد إلا ويلعنه ؛ ولذا ورد في الأخبار أن البقعة التي يجتمع فيها الناس إما أن تلعنهم إذا تفرقوا أو تستغفر لهم وكذلك ورد أن ونعمة الله تعالى في سوادها وأن الملائكة يلعنون العصاة في ألفاظ كثيرة لا يمكن إحصاؤها . وكل ذلك إشارة إلى أن العاصي بتطريفة واحدة جنى على جميع ما في الملك والملكوت وقد أهلك نفسه إلا أن يتبع السيئة بحسنة تمحوها العالم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر وأوحى الله تعالى إلى فيتبدل اللعن بالاستغفار فعسى الله أن يتوب عليه ويتجاوز عنه أيوب عليه السلام : يا أيوب ما من عبد لي من الآدميين إلا ومعه ملكان ، فإذا شكرني على ، نعمائي ، قال الملكان : اللهم زده نعما على نعم ، فإنك أهل الحمد والشكر ، فكن من الشاكرين قريبا فكفى بالشاكرين علو رتبة وعندي أني أشكر شكرهم ، وملائكتي يدعون لهم ، والبقاع تحبهم ، والآثار تبكي عليهم
.