وجميع ما ورد من في الآيات والأخبار إنما أريد به هذه الرتبة على الخصوص ؛ لأن السابق إلى أفهام الناس من النعمة الأموال والغنى بها ، والسابق إلى الأفهام من الشكر أن يقول الإنسان : الحمد لله ، ولا يستعين بالنعمة على المعصية ، لا أن يصرفها إلى الطاعة . فإذا الصبر أفضل من الشكر أي الصبر الذي تفهمه العامة أفضل من الشكر الذي تفهمه العامة ، وإلى هذا المعنى على الخصوص أشار تفضيل أجر الصبر على أجر الشكر رحمه الله حيث سئل عن الصبر والشكر أيهما أفضل ؟ فقال : ليس مدح الغني بالوجود ، ولا مدح الفقير بالعدم وإنما المدح في الاثنين قيامهما بشروط ما عليهما ، فشرط الغنى يصحبه فيما عليه أشياء تلائم صفته وتمتعها وتلذذها ، والفقير يصحبه فيما عليه أشياء تلائم صفته وتقبضها وتزعجها ، فإذا كان الاثنان قائمين لله تعالى بشرط ما عليهما كان الذي آلم صفته ، وأزعجها ، أتم حالا ممن متع صفته ونعمها الجنيد
والأمر على ما قاله وهو صحيح من جملة أقسام الصبر والشكر في القسم الأخير الذي ذكرناه ، وهو لم يرد سواه .
ويقال كان أبو العباس بن عطاء قد خالفه في ذلك : وقال : الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر ، فدعا عليه فأصابه ما أصابه من البلاء من قتل أولاده ، وإتلاف أمواله ، وزوال عقله أربع عشرة سنة ، فكان يقول : " دعوة الجنيد أصابتني "، ورجع إلى تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر الجنيد
ومهما لاحظت المعاني التي ذكرناها علمت أن لكل واحد من القولين وجها في بعض الأحوال ، فرب فقير صابر أفضل من غني شاكر ، كما سبق ورب غني شاكر أفضل من فقير صابر .