وذلك هو ؛ إذ لا يمسك لنفسه من المال إلا قدر الضرورة ، والباقي يصرفه إلى الخيرات أو يمسكه على اعتقاد أنه خازن للمحتاجين والمساكين ، وإنما ينتظر حاجة تسنح : حتى يصرف إليها ثم إذا صرف لم يصرفه لطلب جاه وصيت : ولا لتقليد منة بل أداء لحق الله تعالى في تفقد عباده فهذا أفضل من الفقير الصابر الغني الذي يرى نفسه مثل الفقير
فإن قلت : فهذا لا يثقل على النفس ، والفقير يثقل عليه الفقر لأن هذا يستشعر لذة القدرة وذاك يستشعر ألم الصبر فإن كان متألما بفراق المال فينجبر ذلك بلذته في القدرة على الإنفاق ، فاعلم أن الذي تراه أن من ينفق ماله عن رغبة وطيب نفس أكمل حالا ممن ينفقه وهو بخيل به ، وإنما يقتطعه عن نفسه قهرا ،
وقد ذكرنا تفصيل هذا فيما سبق من كتاب التوبة فإيلام النفس ليس مطلوبا لعينه بل لتأديبها : وذلك يضاهي ضرب كلب الصيد ، والكلب المتأدب أكمل من الكلب المحتاج إلى الضرب ، وإن كان صابرا على الضرب ؛ ولذلك يحتاج إلى الإيلام والمجاهدة في البداية : ولا يحتاج إليهما في النهاية ، بل النهاية أن يصير ما كان مؤلما في حقه لذيذا عنده كما يصير التعلم عند الصبي العاقل لذيذا وقد كان مؤلما له أولا ، ولكن لما كان الناس كلهم إلا الأقلين في البداية بل قبل البداية بكثير كالصبيان أطلق القول بأن الذي يؤلم صفته أفضل ، وهو كما قال صحيح فيما أراده من عموم الخلق ، فإذا إذا كنت لا تفصل الجواب وتطلقه لإرادة الأكثر فأطلق القول بأن الجنيد فإنه صحيح بالمعنى السابق إلى الأفهام . الصبر أفضل من الشكر