فإذا أردت التحقيق ففصل فإن مع ، الكراهية ووراءها الرضا وهو الرضا وهو مقام وراء الصبر ، ووراءه الشكر على البلاء ، وهو وراء الرضا ؛ إذ الصبر مع التألم ، والرضا يمكن بما لا ألم فيه ولا فرح ، والشكر لا يمكن إلا على محبوب مفروح به ، وكذلك للصبر درجات أقلها ترك الشكوى كثيرة ذكرنا أقصاها ، ويدخل في جملتها أمور دونها : فإن حياء العبد من تتابع نعم الله عليه شكر ، ومعرفته بتقصيره عن الشكر شكر ، والاعتذار من قلة الشكر شكر ، والمعرفة بعظيم حلم الله ، وكنف ستره شكر ، والاعتراف بأن النعم ابتداء من الله تعالى من غير استحقاق شكر ، والعلم بأن الشكر أيضا نعمة من نعم الله وموهبة منه شكر ، وحسن التواضع للنعم والتذلل فيها شكر ، وشكر الوسائط شكر ؛ إذ قال عليه : السلام الشكر درجات وقد ذكرنا حقيقة ذلك في كتاب أسرار الزكاة وقلة الاعتراض ، وحسن الأدب بين يدي المنعم شكر ، وتلقي النعم بحسن القبول واستعظام صغيرها شكر ؛ من لم يشكر الناس لم يشكر الله
وما يندرج من الأعمال والأحوال تحت اسم الشكر والصبر لا تنحصر آحادها ، وهي درجات مختلفة ، فكيف يمكن إجمال القول بتفضيل أحدهما على الآخر إلا على سبيل إرادة الخصوص باللفظ العام ، كما ورد في الأخبار والآثار
وقد روي عن بعضهم أنه قال : رأيت في بعض الأسفار شيخا كبيرا قد طعن في السن فسألته عن حاله ، فقال : إني كنت في ابتداء عمري أهوى : ابنة عم لي ، وهي كذلك كانت تهواني : فاتفق أنها زوجت مني فليلة زفافها قلت : تعالى حتى نحيي هذه الليلة شكرا لله تعالى على ما جمعنا : فصلينا تلك الليلة ، ولم يتفرغ أحدنا إلى صاحبه فلما كانت الليلة الثانية قلنا مثل ذلك فصلينا طول الليل فمنذ سبعين أو ثمانين سنة نحن على تلك الحالة كل ليلة أليس كذلك يا فلانة قالت العجوز : هو كما يقول الشيخ فانظر إليهما لو صبرا على بلاء الفرقة أو لو لم يجمع الله بينهما ، وانسب صبر الفرقة إلى شكر الوصال على هذا الوجه فلا يخفى عليك أن هذا الشكر أفضل ، فإذا لا وقوف على حقائق المفضلات إلا بتفضيل كما سبق والله أعلم
.