فانظر كيف كان يسوق الخلق بسياط الخوف ، ويقودهم بأزمة الرجاء إلى الله تعالى ؛ إذ ساقهم بسياط الخوف أولا ، فلما خرج ذلك بهم عن حد الاعتدال إلى إفراط اليأس داواهم بدواء الرجاء ، وردهم إلى الاعتدال والقصد ، والآخر لم يكن مناقضا للأول ، ولكن ذكر في الأول ما رآه سببا للشفاء واقتصر عليه ، فلما احتاجوا إلى المعالجة بالرجاء
ذكر تمام الأمر . فعلى الواعظ أن فيتلطف في استعمال أخبار الخوف والرجاء بحسب الحاجة بعد ملاحظة العلل الباطنة ، وإن لم يراع ذلك كان ما يفسد بوعظه أكثر مما يصلح وفي الخبر : يقتدي بسيد الوعاظ وفي لفظ آخر : لو لم تذنبوا لخلق الله خلقا يذنبون فيغفر لهم إنه هو الغفور الرحيم وفي الخبر : لذهب بكم وجاء بخلق يذنبون فيغفر لهم وقال صلى الله عليه وسلم : لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو شر من الذنوب ، قيل : وما هو ؟ قال العجب والذي نفسي بيده لله أرحم بعبده المؤمن من الوالدة الشفيقة بولدها وفي الخبر : حتى إن إبليس ليتطاول لها رجاء أن تصيبه ليغفرن الله تعالى يوم القيامة مغفرة ما خطرت على قلب أحد وفي الخبر : إن لله تعالى مائة رحمة ، ادخر منها عنده تسعا وتسعين رحمة ، وأظهر منها في الدنيا رحمة واحدة فبها يتراحم الخلق ، فتحن الوالدة على ولدها ، وتعطف البهيمة على ولدها ، فإذا كان يوم القيامة ضم هذه الرحمة إلى التسع والتسعين ثم بسطها على جميع خلقه ، وكل رحمة منها طباق السموات والأرض ، قال : فلا يهلك على الله يومئذ إلا هالك وفي الخبر : وقال عليه : ما منكم من أحد يدخله عمله الجنة ، ولا ينجيه من النار ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته وقال صلى الله عليه وسلم : أفضل الصلاة والسلام اعملوا ، وأبشروا ، واعلموا أن أحدا لن ينجيه عمله أترونها للمطيعين المتقين بل هي للمتلوثين المخلطين وقال صلى الله عليه وسلم : إني اختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي بعثت بالحنيفية السمحة السهلة وقال صلى الله عليه وسلم : ويدل على معناه استجابة الله تعالى للمؤمنين في قولهم ولا تحمل علينا إصرا وقال تعالى وعلى كل عبد مصطفى أحب أن يعلم أهل الكتابين أن في ديننا سماحة ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم وروى محمد بن الحنفية عن رضي الله تعالى عنهما أنه قال : لما نزل قوله تعالى : علي فاصفح الصفح الجميل قال يا جبريل ، وما الصفح الجميل ؟ قال : عليه السلام إذا عفوت عمن ظلمك فلا تعاتبه ، فقال : يا جبريل ، فالله تعالى أكرم من أن يعاتب من عفا عنه ، فبكى جبريل ، وبكى النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعث الله تعالى إليهما ميكائيل عليه السلام ، وقال : إن ربكما يقرئكما السلام ويقول : كيف أعاتب من عفوت عنه ، هذا ما لا يشبه كرمي .