فقد عرفت إذن أن المراتب ست وأعلاها رتبة المستغني ثم الزاهد ثم الراضي ، ثم القانع ، ثم الحريص ، وأما المضطر فيتصور في حقه أيضا الزهد والرضا والقناعة ، ودرجته تختلف بحسب اختلاف هذه الأحوال واسم الفقير يطلق على هذه الخمسة أما ، فلا وجه لها بهذا المعنى بل إن سمي فقيرا فبمعنى آخر وهو معرفته بكونه محتاجا إلى الله تعالى في جميع أموره عامة ، وفي بقاء استغنائه عن المال خاصة فيكون اسم الفقير له كاسم العبد لمن عرف نفسه بالعبودية وأقر بها فإنه أحق باسم العبد من الغافلين ، وإن كان اسم العبد عاما للخلق فكذلك اسم الفقير عام ، ومن عرف نفسه بالفقر إلى الله تعالى فهو أحق باسم الفقير فاسم الفقير مشترك بين هذين المعنيين ، وإذا عرفت هذا الاشتراك فهمت أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أعوذ بك من الفقر وقوله عليه : السلام تسمية المستغني فقيرا كاد الفقر أن يكون كفرا لا يناقض قوله أحيني مسكينا وأمتني مسكينا إذ فقر المضطر هو الذي استعاذ منه ، والفقر الذي هو الاعتراف بالمسكنة والذلة والافتقار إلى الله تعالى هو الذي سأله في دعائه صلى الله عليه وسلم وعلى كل عبد مصطفى من أهل الأرض والسماء
.