بيان آداب الفقير في . قبول العطاء إذا جاءه بغير سؤال
ينبغي أن يلاحظ الفقير فيما جاءه ثلاثة أمور : نفس المال .
وغرض المعطي وغرضه في الأخذ .
أما نفس المال فينبغي أن يكون حلالا خاليا عن الشبهات كلها فإن كان فيه شبهة فليحترز من أخذه وقد ذكرنا في كتاب الحلال والحرام درجات الشبهة وما يجب اجتنابه وما يستحب .
وأما غرض المعطي فلا يخلو إما أن يكون غرضه تطييب قلبه وطلب محبته وهو الهدية أو الثواب وهو الصدقة والزكاة والذكر ، والرياء والسمعة إما على التجرد وإما ممزوجا ببقية الأغراض .
أما الأول وهو فإن قبولها سنة رسول الله : صلى الله عليه وسلم : ولكن ينبغي أن لا يكون فيها منة فإن كان فيها منة فالأولى تركها ، فإن علم أن بعضها مما تعظم فيه المنة فليرد البعض دون البعض ، فقد أهدي إلى رسول الله : صلى الله عليه وسلم : سمن وأقط وكبش فقبل السمن والأقط ورد الكبش وكان : صلى الله عليه وسلم : يقبل من بعض الناس ويرد على بعض . الهدية فلا بأس بقبولها
وقال لقد هممت أن لا أتهب إلا من قرشي أو ثقفي أو أنصاري أو دوسي وفعل هذا جماعة من التابعين .
وجاءت إلى فتح الموصلي صرة فيها خمسين درهما فقال : حدثنا عطاء عن النبي : صلى الله عليه وسلم أنه قال من أتاه رزق من غير مسألة فرده فإنما يرده على الله ثم فتح الصرة فأخذ منها درهما ورد سائرها .
وكان الحسن يروي هذا الحديث أيضا ولكن حمل إليه رجل كيسا ورزمة من رقيق ثياب خراسان فرد ذلك وقال من جلس مجلسي هذا وقبل من الناس مثل هذا لقي الله : عز وجل : يوم القيامة وليس له خلاق .
وهذا يدل على أن وقد كان أمر العالم والواعظ أشد في قبول العطاء الحسن يقبل من أصحابه .
وكان إبراهيم التميمي يسأل من أصحابه الدرهم والدرهمين ونحوه ويعرض عليه غيرهم المئين فلا يأخذها وكان بعضهم إذا أعطاه صديقه شيئا يقول اتركه عندك وانظر إن كنت بعد قبوله في قلبك أفضل مني قبل القبول فأخبرني حتى آخذه وإلا فلا وأمارة هذا أن يشق عليه الرد لو رده ويفرح بالقبول ويرى المنة على نفسه في قبول صديقه هديته ، فإن علم أنه يمازجه منة فأخذه مباح ولكنه مكروه عند الفقراء الصادقين .
وقال بشر ما سألت أحدا قط شيئا إلا سريا السقطي لأنه قد صح عندي زهده في الدنيا فهو يفرح بخروج الشيء من يده ويتبرم ببقائه عنده ، فأكون عونا له على ما يحب .
وجاء خراساني إلى رحمه الله بمال وسأله أن يأكله فقال أفرقه على الفقراء ، فقال : ما أريد هذا قال ومتى أعيش حتى آكل هذا ؟ قال ما أريد أن تنفقه في الخل والبقل بل في الحلاوات والطيبات فقبل ذلك منه فقال الخراساني ما أجد في الجنيد بغداد أمن علي منك فقال ولا ينبغي أن يقبل إلا من مثلك . الجنيد :