فإن من طلب كشف حقائق الأمور من أقاويل الناس رآها مختلفة فلا يستفيد إلا الحيرة ، وأما من انكشف له الحق في نفسه وأدركه بمشاهدة من قلبه لا بتلقف من سمعه فقد وثق بالحق واطلع على قصور من قصر لقصور بصيرته ، وعلى اقتصار من اقتصر من اقتصر مع كمال المعرفة لاقتصار حاجته ، وهؤلاء كلهم اقتصروا لا لقصور في البصيرة لكنهم ذكروا ما ذكروه عند الحاجة فلا جرم ذكروه بقدر الحاجة والحاجات تختلف فلا جرم الكلمات تختلف ، وقد يكون سبب الاقتصار الإخبار عن الحالة الراهنة التي هي مقام العبد في نفسه والأحوال تختلف فلا جرم الأقوال المخبرة عنها تختلف وأما الحق في نفسه .
فلا يكون إلا واحدا ولا يتصور أن يختلف وإنما الجامع من هذه الأقاويل الكامل في نفسه وإن لم يكن فيه تفصيل ما قاله أبو سليمان الداراني إذ قال : سمعنا في الزهد كلاما كثيرا والزهد عندنا ترك كل شيء يشغلك عن الله : عز وجل : وقد فصل مرة وقال : من تزوج أو سافر في طلب المعيشة أو كتب الحديث فقد ركن إلى الدنيا فجعل جميع ذلك ضدا للزهد وقد قرأ أبو سفيان قوله تعالى : إلا من أتى الله بقلب سليم فقال : هو القلب الذي ليس فيه غير الله تعالى وقال إنما زهدوا في الدنيا لتفرغ قلوبهم من همومها للآخرة فهذا بيان انقسام فأما بالإضافة إلى أحكامه فينقسم إلى : فرض ونفل وسلامة كما قاله الزهد بالإضافة إلى أصناف المزهود فيه ، فالفرض هو إبراهيم بن أدهم . الزهد في الحرام
والنفل هو . الزهد في الحلال
والسلامة هو . الزهد في الشبهات