المهم الرابع وللزهد فيه أيضا درجات أعلاها حال أثاث البيت عيسى المسيح صلوات الله : عليه وسلامه وعلى كل عبد مصطفى إذ كان لا يصحبه إلا مشط وكوز فرأى إنسانا يمشط لحيته بأصابعه فرمى بالمشط ورأى آخر يشرب من النهر بكفيه فرمى بالكوز وهذا حكم كل أثاث فإنه إنما يراد لمقصود فإذا استغنى عنه فهو وبال في الدنيا والآخرة وما لا يستغنى عنه فيقتصر فيه على أقل الدرجات وهو الخزف في كل ما يكفي فيه الخزف ولا يبالي بأن يكون مكسور الطرف إذا كان المقصود يحصل به وأوسطها أن يكون له أثاث بقدر الحاجة صحيح في نفسه ولكن يستعمل الآلة الواحدة في مقاصد كالذي معه قصعة يأكل فيها ويشرب فيها ويحفظ المتاع فيها وكان السلف يستحبون استعمال آلة واحدة في أشياء للتخفيف وأعلاها أن يكون له بعدد كل حاجة آلة من الجنس النازل الخسيس فإن زاد في العدد أو في نفاسة الجنس خرج عن جميع أبواب الزهد وركن إلى طلب الفضول ولينظر إلى سيرة رسول الله : صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة : رضوان الله عليهم أجمعين : فقد قالت رضي الله عنها : عائشة كان : الذي ينام عليه وسادة من أدم حشوها ليف ضجاع رسول الله : صلى الله عليه وسلم .
وقال الفضيل ما كان فراش رسول الله : صلى الله عليه وسلم : إلا عباءة مثنية ووسادة من أدم حشوها ليف .
وروي أن رضي الله عنه : دخل على رسول الله : صلى الله عليه وسلم : وهو نائم على سرير مرمول بشريط فجلس فرأى أثر الشريط في جنبه عليه السلام فدمعت عينا عمر بن الخطاب فقال له النبي : صلى الله عليه وسلم : ما الذي أبكاك يا عمر قال ذكرت ابن الخطاب ؟ كسرى وقيصر وما هما فيه من الملك وذكرتك وأنت حبيب الله وصفيه ورسوله نائم على سرير مرمول بالشريط فقال : صلى الله عليه وسلم : أما ترضى يا عمر أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قال بلى يا رسول الله قال فذلك كذلك ودخل رجل على فجعل يقلب بصره في بيته فقال : يا أبي ذر ما أرى في بيتك متاعا ولا غير ذلك من الأثاث فقال : إن لنا بيتا نوجه إليه صالح متاعنا ، فقال : إنه لا بد لك من متاع ما دمت ههنا ، فقال : إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه ولما قدم أبا ذر عمير بن سعيد أمير حمص على عمر : رضي الله عنهما : قال له : ما معك من الدنيا ؟ فقال : معي عصاي أتوكأ عليها وأقتل بها حية إن لقيتها ومعي جرابي أحمل فيه طعامي ومعي قصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثوبي .
ومعي مطهرتي أحمل فيها شرابي وطهوري للصلاة ، فما كان بعد هذا من الدنيا فهو تبع لما معي ، فقال صدقت رحمك الله عمر : فاطمة رضي الله عنها : فرأى على باب منزلها سترا وفي يديها قلبين من فضة فرجع فدخل عليها أبو رافع وهي تبكي فأخبرته برجوع رسول الله : صلى الله عليه وسلم فسأله وقدم رسول الله : صلى الله عليه وسلم : من سفر فدخل على أبو رافع فقال : من أجل التستر والسوارين فأرسلت بهما إلى رسول الله : صلى الله عليه وسلم وقالت : قد تصدقت بهما فضعهما حيث ترى فقال : اذهب فبعه وادفعه إلى أهل الصفة فباع القلبين بدرهمين ونصف وتصدق بهما عليهم فدخل عليها صلى الله عليه وسلم : فقال بأبي أنت قد أحسنت بلالا سترا فهتكه عائشة . ورأى رسول الله : صلى الله عليه وسلم : على باب
وقال كلما رأيته ذكرت الدنيا أرسلي به إلى آل فلان وفرشت له ذات ليلة فراشا جديدا وقد عائشة كان : صلى الله عليه وسلم ينام على عباءة مثنية فما زال يتقلب ليلته فلما أصبح قال لها أعيدي العباءة الخلقة ونحي هذا الفراش عني قد أسهرني الليلة وكذلك أتته دنانير خمسة أو ستة ليلا فبيتها فسهر ليلته حتى أخرجها من آخر الليل .
قالت رضي الله عنها فنام حينئذ حتى سمعت غطيطه ثم قال : عائشة ما ظن محمد بربه لو لقي الله وهذه عنده وقال الحسن أدركت سبعين من الأخيار ما لأحدهم إلا ثوبه وما وضع أحدهم بينه وبين الأرض ثوبا قط ، كان إذا أراد النوم باشر الأرض بجسمه وجعل ثوبه فوقه .