والجملة فيه أنه فرأى القلم محركا في قبضته فظهر له عذر القلم فسأل اليمين عن شأنه وتحريكه للقلم فقال : جوابي مثل ما سمعته من اليمين التي رأيتها في عالم الشهادة وهي الحوالة على القدرة إذ اليد لا حكم لها في نفسها وإنما محركها القدرة لا محالة فسافر السالك إلى عالم القدرة ورأى فيه من العجائب ما استحقر عندها ما قبله وسألها عن تحريك اليمين فقالت : إنما أنا صفة فاسأل القادر إذ العمدة على الموصوفات لا على الصفات وعند هذا كاد أن يزيغ ويطلق بالجراءة لسان السؤال فثبت بالقول الثابت ونودي من وراء حجاب سرادقات الحضرة لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فغشيته هيبة الحضرة فخر صعقا يضطرب في غشيته فلما أفاق قال سبحانك ما أعظم شأنك تبت إليك وتوكلت عليك وآمنت بأنك الملك الجبار الواحد القهار فلا أخاف غيرك ولا أرجو سواك ولا أعوذ إلا بعفوك من عقابك وبرضاك من سخطك وما لي إلا أن أسألك وأتضرع إليك وأبتهل بين يديك فأقول اشرح لي صدري لأعرفك واحلل عقدة من لساني لأثني عليك فنودي من وراء الحجاب إياك أن تطمع في الثناء وتزيد على سيد الأنبياء بل ارجع إليه فما آتاك فخذه وما نهاك عنه فانته عنه وما قاله لك فقله فإنه ما زاد في هذه الحضرة على أن قال : سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك فقال إلهي إن لم يكن للسان جراءة على الثناء عليك فهل للقلب مطمع في معرفتك ؟ فنودي إياك أن تتخطى رقاب الصديقين فارجع إلى الصديق الأكبر فاقتد به فإن أصحاب سيد الأنبياء كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم أما سمعته يقول العجز عن درك الإدراك إدراك فيكفيك نصيبا من حضرتنا أن تعرف أنك محروم عن حضرتنا عاجز عن ملاحظة جمالنا وجلالنا فعند ذلك رجع السالك واعتذر عن أسئلته ومعاتباته وقال لليمين والقلم والعلم والإرادة والقدرة وما بعدها : اقبلوا عذري فإني كنت غريبا حديث العهد بالدخول في هذه البلاد ولكل داخل دهشة فما كان إنكاري عليكم إلا عن قصور وجهل والآن قد صح عندي عذركم وانكشف لي أن المنفرد بالملك والملكوت والعزة والجبروت هو الواحد القهار فما أنتم إلا مسخرون تحت قهره وقدرته مرددون في قبضته وهو الأول والآخر والظاهر والباطن فلما ذكر ذلك في عالم الشهادة استبعد منه ذلك وقيل له : كيف يكون هو الأول والآخر وهما وصفان متناقضان وكيف يكون هو الظاهر والباطن فالأول ليس بآخر والظاهر ليس بباطن ؟ فقال : هو الأول بالإضافة إلى الموجودات إذ صدر منه الكل على ترتيبه واحدا بعد واحد وهو الآخر بالإضافة إلى سير السائرين إليه فإنهم لا يزالون مترقين من منزل إلى منزل إلى أن يقع الانتهاء إلى تلك الحضرة ، فيكون ذلك آخر السفر فهو آخر في المشاهدة أول في الوجود ، وهو باطن بالإضافة إلى العاكفين في عالم الشهادة الطالبين لإدراكه بالحواس الخمس ، ظاهر بالإضافة إلى من يطلبه في السراج الذي اشتعل في قلبه بالبصيرة الباطنة النافذة في عالم الملكوت فهذا كان يمين لا كالأيمان ويد لا كالأيدي وإصبع لا كالأصابع أعني من انكشف له أن الفاعل واحد . توحيد السالكين لطريق التوحيد في الفعل