الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فالمتوكل يسكن إلى وعده : والمسلم يكتفي بعلمه وصاحب التفويض يرضى بحكمه وهذا إشارة إلى تفاوت درجات نظره ، بالإضافة إلى المنظور إليه ؛ فإن العلم هو الأصل والوعد يتبعه ، والحكم يتبع الوعد ولا يبعد أن يكون الغالب على قلب المتوكل ملاحظة شيء من ذلك .

التالي السابق


(فالمتوكل يسكن إلى وعده تعالى بقوله: وما من دابة ) في الأرض إلا على الله رزقها وله اختيار (والمسلم يكتفي بعلمه) تعالى بحاله؛ فإنه يعلم ما هو فيه (وصاحب التفويض يرضى بحكمه) تعالى، أي بكل ما يجريه الله تعالى عليه وافق غرضه، أو خالفه ولا اختيار لهما؛ لأنهما سلما وفوضا الأمور إليه تعالى، يفعل بهما ما هو صلاح لهما، نقله القشيري سماعا عنه، (وهذا إشارة إلى تفاوت درجات نظره، بالإضافة إلى المنظور إليه؛ فإن العلم هو الأصل والوعد يتبعه، والحكم يتبع الوعد ولا يبعد أن يكون الغالب على قلب المتوكل ملاحظة شيء من ذلك) .

وظاهر هذا تفضيل مقام التسليم على التوكل والتفويض، وسيأتي في التنبيه ما يؤيد ذلك ويؤيد ما شرحناه قول القشيري بعده، وسمعته يعني الدقاق يقول: التوكل بداية والتسليم وسائط، والتفويض نهاية. اهـ .

أي إن التوكل: اعتماد، والتسليم راحة ورقاد، والتفويض رضا بجريان الأحكام قال: وسمعته أيضا يقول: التوكل صفة المؤمنين، والتسليم صفة الأولياء، والتفويض صفة الموحدين، والتوكل صفة العوام، والتسليم صفة الخواص، والتفويض صفة خاص الخاص، وقال أيضا: التوكل صفة الأنبياء، والتسليم صفة إبراهيم -عليه السلام- والتفويض صفة نبينا -صلى الله عليه وسلم- وقال الكمال أبو بكر محمد بن إسحاق في مقاصد المنجيات: والتوكل مع شرفه منخفض الرتبة عن التفويض والتسليم؛ لأن غايته جلب النفع ودفع الضر، والتفويض والتسليم ينشآن عن ملاحظة علم الله وحكمته وتقديره للأشياء في أزلها، وحقيقتهما الانقياد والإذعان للأمر والنهي، وترك الاختيار في الفعل، بل في جملة ما حكم الله به وقضى؛ لأن المنفعة التي يطلب المتوكل جلبها والمضرة التي يطلب دفعها قد ينعكسان، فتكون المضرة منفعة والمنفعة مضرة؛ ولذلك علمنا الله ربنا وخالقنا التفويض والتسليم وترك الاختيار بقوله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون فنسب ذلك إلى علمه وأثبته لنفسه، وسلبه عنا بقوله: وأنتم لا تعلمون .




الخدمات العلمية