والثاني أن يكون بحيث يقوى على التقوت بالحشيش ، وما يتفق من الأشياء الخسيسة فبعد هذين الشرطين لا يخلو في غالب الأمر في البوادي في كل أسبوع عن أن يلقاه آدمي ، أو ينتهي إلى حلة أو قرية ، أو إلى حشيش يجتزئ به فيحيا به مجاهدا نفسه والمجاهدة عماد التوكل وعلى هذا كان يعول الخواص ونظراؤه من المتوكلين والدليل عليه أن وسببه أنه علم أن البوادي لا يكون الماء فيها على وجه الأرض وما جرت سنة الله تعالى بصعود الماء من البئر بغير دلو ولا حبل ، ولا يغلب وجود الحبل والدلو في البوادي ، كما يغلب وجود الحشيش ، والماء يحتاج إليه لوضوئه كل يوم مرات ، ولعطشه في كل يوم أو يومين مرة ، فإن المسافر مع حرارة الحركة لا يصبر عن الماء ، وإن صبر عن الطعام ، وكذلك يكون له ثوب واحد ، وربما يتخرق فتنكشف عورته ولا يوجد المقراض والإبرة في البوادي غالبا عند كل صلاة ، ولا يقوم مقامهما في الخياطة والقطع شيء مما يوجد في البوادي فكل ما في معنى الأربعة أيضا يلتحق بالدرجة الثانية ؛ لأنه مظنون ظنا ليس مقطوعا به ؛ لأنه يحتمل أن لا يتخرق الثوب ، أو يعطيه إنسان ثوبا ، أو يجد على رأس البئر من يسقيه ، ولا يحتمل أن يتحرك الطعام ممضوغا إلى فيه ، فبين الدرجتين فرقان ، ولكن الثاني في معنى الأول ولهذا ، نقول : لو الخواص كان لا تفارقه الإبرة والمقراض والحبل والركوة ، ويقول : هذا لا يقدح في التوكل فهو آثم به ساع في هلاك نفسه كما روي أن زاهدا من الزهاد فارق الأمصار وأقام في سفح جبل سبعا ، وقال : لا أسأل أحدا شيئا حتى يأتيني ربي برزقي فقعد سبعة ، فكاد يموت ولم يأته رزق فقال : يا رب ، إن أحييتني فأتني برزقي الذي قسمت لي ، وإلا فاقبضني إليك ، فأوحى الله جل ذكره إليه : وعزتي لأرزقنك حتى تدخل الأمصار ، وتقعد بين الناس ، فدخل المصر وقعد فجاءه هذا بطعام ، وهذا بشراب ، فأكل وشرب ، وأوجس في نفسه من ذلك فأوحى الله تعالى إليه : أردت أن تذهب حكمتي بزهدك في الدنيا ؟ أما علمت أني أرزق عبدي بأيدي عبادي أحب إلي من أن أرزقه بيد قدرتي . انحاز إلى شعب من شعاب الجبال ، حيث لا ماء ولا حشيش ، ولا يطرقه طارق فيه ، وجلس متوكلا