الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والدليل على أن الكسب لا ينافي حال التوكل إذا روعيت فيه الشروط ، وانضاف إليه الحال والمعرفة ، كما سبق أن الصديق : رضي الله عنه : لما بويع بالخلافة أصبح آخذا الأثواب تحت حضنه والذراع بيده ، ودخل السوق ينادي حتى كرهه المسلمون وقالوا : كيف تفعل ذلك ، وقد أقمت لخلافة النبوة فقال : لا تشغلوني عن عيالي فإني إن أضعتهم كنت لما سواهم أضيع حتى فرضوا له قوت أهل بيت من المسلمين فلما رضوا بذلك رأى مساعدتهم وتطييب قلوبهم ، واستغراق الوقت بمصالح المسلمين أولى ويستحيل أن يقال : لم يكن الصديق في مقام التوكل فمن أولى بهذا المقام منه فدل على أنه كان متوكلا لا باعتبار ترك الكسب والسعي ، بل باعتبار قطع الالتفات إلى قوته وكفايته ، والعلم بأن الله هو ميسر الاكتساب ومدبر ، الأسباب وبشروط كان يراعيها في طريق الكسب من الاكتفاء بقدر الحاجة من غير استكثار وتفاخر وادخار ومن غير أن يكون درهمه أحب إليه من درهم غيره فمن دخل السوق ودرهمه أحب إليه من درهم غيره فهو حريص على الدنيا ، ومحب لها .

التالي السابق


(والدليل على أن الكسب لا ينافي حال التوكل إذا روعيت فيه الشروط، وانضاف إليه الحال والمعرفة، كما سبق) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قد آخى بين سعد بن الربيع، وعبد الرحمن بن عوف، فقال له سعد: أشاطرك أهلي ومالي، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فعمل يومه ذلك، فراح بشيء من سمن وأقط، فلو كان التكسب في الأسواق ينقص التوكل لم يختر عبد الرحمن وهو إمام الأئمة ما ينقص توكله، ولكنه أحب إدخال المشقة على نفسه، وكره التنعم، واختار إيثار أخيه بما آثره به رعاية لحق أخوته، وأعلى منه مقاما ما روي أن أبا بكر (الصديق -رضي الله عنه- لما بويع بالخلافة) ، وتم له الأمر، (أصبح وأخذ رزمة الأثواب تحت حضنه والذراع بيده، ودخل السوق ينادي) : ألا من يشتري الثوب (حتى كرهه المسلمون) ومنعوه من ذلك (فقالوا: كيف يفعل ذلك، وقد أقيم لخلافة النبوة) فبلغه ذلك (فقال: لا تشغلوني عن عيالي فإني إن أضعتهم كنت لما سواهم أضيع حتى فرضوا له) من بيت المال (قوت أهل بيت من المسلمين) لا وكس ولا شطط (فلما رضوا بذلك) جميعا، واتفقوا عليه (رأى مساعدتهم وتطييب قلوبهم، واستغراق الوقت بمصالح المسلمين أولى) من الاشتغال بالكسب، ألا تراه كيف آثر القيام بحكم الله، وكان ذلك هو علم حاله ومقتضى عمله (ويستحيل أن يقال: لم يكن الصديق) -رضي الله عنه- (في مقام التوكل فمن أولى بهذا المقام منه) ، وهو إمام الأئمة، وقطب الصديقين (فدل على أنه كان متوكلا إلا باعتبار ترك الكسب والسعي، بل باعتبار قطع الالتفات إلى قوته وكفايته، والعلم بأن الله هو ميسر الاكتساب، مدبر الأسباب) وبأنه انتقل من الحكم الأول إلى الأمر الثاني بحكم حاكم أوجبه عليه، وبتصريف الوكيل على توكيله فيه (وبشروط كان يراعيها في طريق الاكتساب من الاكتفاء بقدر الحاجة من غير استكثار وتفاخر وادخار) لغد (ومن غير أن يكون درهمه أحب إليه من درهم غيره) إلى غير ذلك مما تقدم في آداب الكسب (فمن دخل السوق ودرهمه أحب إليه من درهم غيره فهو حريص على الدنيا، ومحب لها) راغب فيها بصفة من المعاني بمقدار ما بقي فيه من الشهوات، وفي القوت: قال بعض العلماء: إذا دخل العبد السوق، وكان درهمه أحب إليه من درهم غيره لم ينصح المسلمين في المبايعة، وهذا عنده يخرجه من التوكل .




الخدمات العلمية