فإن قلت : فهل من دواء ينتفع به في صرف القلب عن الركون إلى الأسباب الظاهرة وحسن الظن بالله تعالى في تيسير الأسباب الخفية ؟ فأقول : نعم هو أن تعرف أن قال الله تعالى : سوء الظن تلقين الشيطان ، وحسن الظن تلقين الله تعالى ، الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ، فإن الإنسان بطبعه مشغوف بسماع تخويف الشيطان ولذلك قيل الشفيق بسوء الظن مولع ، وإذا انضم إليه الجبن وضعف القلب ومشاهدة المتكلين على الأسباب الظاهرة والباعثين عليها غلب سوء الظن وبطل التوكل بالكلية بل رؤية الرزق من الأسباب الخفية أيضا تبطل التوكل فقد حكي عن عابد أنه عكف في مسجد : ولم يكن له معلوم فقال له الإمام لو اكتسبت : لكان أفضل لك فلم يجبه حتى أعاد عليه ثلاثا ، فقال في الرابعة يهودي في جوار المسجد قد ضمن لي كل يوم رغيفين فقال : إن كان صادقا في ضمانه فعكوفك في المسجد خير لك فقال يا هذا ، لو لم تكن إماما تقف بين يدي الله وبين العباد مع هذا النقص في التوحيد كان خيرا لك إذ فضلت وعد يهودي على ضمان الله تعالى بالرزق وقال إمام المسجد لبعض المصلين من أين تأكل فقال يا شيخ ، اصبر حتى أعيد الصلاة التي صليتها خلفك ، ثم أجيبك .