الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وعمدة الاشتغال بالله عز وجل القلب فصواب الضعيف ادخار قدر حاجته كما أن صواب القوي ترك الادخار .

وهذا كله حكم المنفرد ، فأما المعيل فلا يخرج عن حد التوكل بادخار قوت سنة لعياله جبرا لضعفهم ، وتسكينا لقلوبهم وادخار أكثر من ذلك مبطل للتوكل ؛ لأن الأسباب تتكرر عند تكرر السنين ، فادخاره ما يزيد عليه سببه ضعف قلبه ، وذلك يناقض قوة التوكل فالمتوكل عبارة عن موحد قوي القلب مطمئن النفس إلى فضل الله تعالى ، واثق بتدبيره دون وجود الأسباب الظاهرة وقد ادخر رسول الله صلى الله عليه وسلم لعياله قوت سنة ونهى أم أيمن وغيرها أن تدخر له شيئا لغد ونهى بلالا عن الادخار في كسرة خبز ادخرها ليفطر عليها فقال : صلى الله عليه وسلم : أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا وقال صلى الله عليه وسلم : إذا سئلت فلا تمنع ، وإذا أعطيت فلا تخبأ اقتداء بسيد المتوكلين : صلى الله عليه وسلم : وقد كان قصر أمله بحيث كان إذا بال تيمم مع قرب الماء ، ويقول : ما يدريني لعلي لا أبلغه وكان صلى الله عليه وسلم : لو ادخر لم ينقص ذلك من توكله ؛ إذ كان لا يثق بما ادخره ، ولكنه عليه السلام ترك ذلك تعليما للأقوياء من أمته ، فإن أقوياء أمته ضعفاء ، بالإضافة إلى قوته ، وادخر عليه السلام لعياله سنة لا لضعف قلب فيه وفي عياله ولكن ليسن ذلك للضعفاء من أمته ، بل أخبر إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه ، كما يحب أن تؤتى عزائمه تطييبا لقلوب الضعفاء حتى لا ينتهي بهم الضعف إلى اليأس والقنوط فيتركون الميسور من الخير عليهم بعجزهم عن منتهى الدرجات ، فما أرسل رسول الله : صلى الله عليه وسلم : إلا رحمة للعالمين كلهم على اختلاف أصنافهم ودرجاتهم وإذا فهمت هذا علمت أن الادخار قد يضر بعض الناس ، وقد لا يضر ، ويدل عليه ما روى أبو أمامة الباهلي أن بعض أصحاب الصفة توفي فما وجد له كفن ، فقال : صلى الله عليه وسلم : فتشوا ثوبه فوجدوا فيه دينارين في داخل إزاره ، فقال : صلى الله عليه وسلم : كيتان وقد كان غيره من المسلمين يموت ويخلف أموالا ولا يقول ذلك في حقه ، وهذا يحتمل وجهين ؛ لأن حاله يحتمل حالين : أحدهما أنه أراد كيتين من النار ، كما قال تعالى تكوى : بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، وذلك إذا كان حاله إظهار الزهد والفقر والتوكل مع الإفلاس عنه فهو نوع تلبيس والثاني أن لا يكون ذلك عن تلبيس ، فيكون المعنى به النقصان عن درجة كماله ، كما ينقص من جمال الوجه أثر كيتين في الوجه ، وذلك لا يكون عن تلبيس ، فإن كل ما يخلفه الرجل فهو نقصان عن درجته في الآخرة ؛ إذ لا يؤتى أحد من الدنيا شيئا إلا نقص بقدره من الآخرة .

التالي السابق



الخدمات العلمية