الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الفن الثالث في مباشرة الأسباب الدافعة للضرر المعرض للخوف اعلم أن الضرر قد يعرض للخوف في نفس أو مال ، وليس من شروط التوكل ترك الأسباب الدافعة رأسا أما في النفس فكالنوم في الأرض المسبعة ، أو في مجاري السيل من الوادي ، أو تحت الجدار المائل والسقف المنكسر فكل ذلك منهي عنه ، وصاحبه قد عرض نفسه للهلاك بغير فائدة نعم تنقسم هذه الأسباب إلى مقطوع بها ، ومظنونة وإلى موهومة ، فترك الموهوم منها من شرط التوكل وهي التي نسبتها إلى دفع الضرر نسبة الكي والرقية فإن الكي والرقية قد تقدم به على المحذور دفعا لما يتوقع ، وقد يستعمل بعد نزول المحذور للإزالة ورسول الله : صلى الله عليه وسلم : لم يصف المتوكلين إلا بترك الكي والرقية والطيرة ولم يصفهم بأنهم إذا خرجوا إلى موضع بارد لم يلبسوا جبة ، والجبة تلبس دفعا للبرد المتوقع ، وكذلك كل ما في معناها من الأسباب نعم الاستظهار بأكل الثوم مثلا عند الخروج إلى السفر في الشتاء تهييجا لقوة الحرارة من الباطن ربما يكون من قبيل التعمق في الأسباب والتعويل عليها ، فيكاد يقرب من الكي بخلاف الجبة ، ولترك الأسباب الدافعة وإن كانت مقطوعة وجه إذا ، ناله الضرر من إنسان فإنه إذا أمكنه الصبر ، وأمكنه الدفع والتشفي فشرط التوكل الاحتمال والصبر ، قال الله تعالى فاتخذه وكيلا واصبر على ما يقولون ، وقال تعالى ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون وقال : عز وجل ودع أذاهم وتوكل على الله وقال سبحانه تعالى : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وقال تعالى: نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون وهذا في أذى الناس ، وأما الصبر على أذى الحيات والسباع والعقارب ، فترك دفعها ليس من التوكل في شيء ؛ إذ لا فائدة فيه ، ولا يراد السعي ، ولا يترك السعي لعينه ، بل لإعانته على الدين وترتب ، الأسباب ههنا كترتبها في الكسب وجلب المنافع ، فلا نطول بالإعادة .

التالي السابق



الخدمات العلمية