بيان أحوال المتوكلين في . إظهار المرض وكتمانه
اعلم أن كتمان المرض وإخفاء الفقر وأنواع البلاء من كنوز البر وهو من أعلى المقامات ؛ لأن معاملة بينه وبين الله : عز وجل : فكتمانه أسلم عن الآفات . الرضا بحكم الله والصبر على بلائه
ومع هذا فالإظهار لا بأس به إذا صحت فيه النية والمقصد ومقاصد الإظهار ثلاثة : الأول أن يكون غرضه التداوي فيحتاج إلى ذكره للطبيب فيذكره لا في معرض الشكاية بل في معرض الحكاية لما ظهر عليه من قدرة الله تعالى فقد كان بشر يصف لعبد الرحمن المطبب أوجاعه وكان يخبر بأمراض يجدها ويقول : إنما أصف قدرة الله تعالى في . أحمد بن حنبل
الثاني : أن يصف لغير الطبيب ، وكان ممن يقتدى به وكان مكينا في المعرفة فأراد من ذكره أن يتعلم منه بل حسن الشكر بأن يظهر أنه يرى أن المرض نعمة ، فيشكر عليها فيتحدث به ، كما يتحدث بالنعم قال حسن الصبر في المرض ، إذا حمد المريض الله تعالى وشكره ثم ذكر أوجاعه لم يكن ذلك شكوى . الحسن البصري
الثالث : أن يظهر بذلك عجزه وافتقاره إلى الله تعالى ، وذلك يحسن ممن تليق به القوة والشجاعة ويستبعد منه العجز كما روي أنه قيل في مرضه رضي الله عنه : كيف أنت ؟ قال : بشر ، فنظر بعضهم إلى بعض كأنهم كرهوا ذلك وظنوا أنه شكاية فقال أتجلد على الله فأحب أن يظهر عجزه وافتقاره مع ما علم به من القوة والضراوة وتأدب فيه بأدب النبي صلى الله عليه وسلم إياه حيث مرض علي كرم الله وجهه فسمعه عليه السلام وهو يقول : اللهم صبرني على البلاء ، فقال له صلى الله عليه وسلم لقد سألت الله تعالى البلاء فسل الله العافية . لعلي
فبهذه النيات يرخص في ذكر المرض وإنما يشترط ذلك ؛ لأن ذكره شكاية والشكوى من الله تعالى حرام ، كما ذكرته في تحريم السؤال على الفقراء إلا بضرورة ، ويصير الإظهار شكاية بقرينة السخط وإظهار الكراهة لفعل الله تعالى فإن خلا عن قرينة السخط وعن النيات التي ذكرناها ، فلا يوصف بالتحريم ، ولكن يحكم فيه بأن الأولى تركه لأنه ؛ ربما يوهم الشكاية ولأنه ربما يكون فيه تصنع وتزيد في الوصف على الموجود من العلة ومن فلا وجه في حقه للإظهار ؛ لأن الاستراحة إلى الدواء أفضل من الاستراحة إلى الإفشاء وقد قال بعضهم : من بث لم يصبر . ترك التداوي توكلا
[ ص: 536 ]