مِثْلَ النَّهَارِ يَزِيدُ إِبْصَارَ الْوَرَى نُورًا يُعَمِّي أَعْيُنَ الْخُفَّاشِ
(فَيَكُونُ قُوَّةُ ظُهُورِهِ مَعَ ضَعْفِ بَصَرِهِ سَبَبًا لِامْتِنَاعِ إِبْصَارِهِ، فَلَا يَرَى شَيْئًا إِلَّا إِذَا امْتَزَجَ الضَّوْءُ بِالظَّلَامِ وَضَعُفَ ظُهُورُهُ) وَهُوَ قُرْبُ الْغُرُوبِ، وَفِي هَذَا الْوَقْتِ يَنْتَشِرُ الْبَعُوضُ يَطْلُبُ الْقُوتَ، وَهُوَ دِمَاءُ الْإِنْسَانِ وَيَنْتَشِرُ الْخُفَّاشُ يَطْلُبُ الْبَعُوضَ (فَكَذَلِكَ عُقُولُنَا ضَعِيفَةٌ) لَا شُعَاعَ لَهَا (وَجَمَالُ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ فِي نِهَايَةِ الْإِشْرَاقِ وَالِاسْتِنَارَةِ وَفِي غَايَةِ الِاسْتِغْرَاقِ وَالشُّمُولِ، حَتَّى لَمْ يَشَذَّ عَنْ ظَهْرِهِ ذَرَّةٌ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَصَارَ ظُهُورُهُ سَبَبَ خَفَائِهِ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَنْشَدَنِي شَيْخُنَا الْمَرْحُومُ الْعَارِفُ وَجِيهُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُصْطَفَى الْعَيْدَرُوسِيُّ الْحَسَنِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ فِي ثَامِنَ عَشَرَ رَجَبٍ سَنَةَ 1133 بِالطَّائِفِ لِبَعْضِهِمْ) :ذِكْرَ الْإِلَهِ الْزَمْ هُدِيتَ لِذِكْرِهِ فِيهِ الْقُلُوبُ تَطِيبُ وَالْأَفْوَاهُ
وَاجْعَلْ حَلَاكَ تُقَاهُ إِنَّ أَخَا التُّقَى يَا صَاحُ مَنْ كَانَتْ حَلَاهُ تُقَاهُ
وَاسْتَعْمِلِ الْأَفْكَارَ فِي مَلَكُوتِهِ مُسْتَغْرِقًا فِي الْكَشْفِ عَنْ مَعْنَاهُ
وَلْتَخْلَعِ النَّعْلَيْنِ خَلْعَ مُحَقِّقٍ خَلَّى عَنِ الْكَوْنَيْنِ فِي مَسْرَاهُ
وَلْتَفْنَ حَتَّى عَنْ فَنَائِكَ إِنَّهُ عَيْنُ الْبَقَاءِ وَعِنْدَ ذَاكَ تَرَاهُ
وَإِذَا بَدَا فَاعْلَمْ بِأَنَّكَ لَسْتَ هُو كُلًّا وَلَا أَيْضًا تَكُونُ سِوَاهُ
شَيَّانِ مَا اتَّحَدَا وَلَكِنْ هَاهُنَا سِرٌّ يَضِيقُ نِطَاقُنَا عَمَّا هُو
يَا سَامِعًا مَا قَدْ أَشَرْتُ لَهُ أَمَا قَلْبٌ يُفَكِّرُ مَا وَعَتْ أُذُنَاهُ
أَزِلِ الْحِجَابَ حِجَابَ قَلْبِكَ يَنْكَشِفْ لَكَ سِرُّ مَا قَدْ غَابَ عَنْكَ سَنَاهُ
إِنَّ الْإِلَهَ أَجَلُّ مَا مُتَعَرِّفٌ مَنْ لَا يَرَاهُ قَدِ اسْتَبَانَ عَمَاهُ
أَنَّى يَغِيبُ وَلَيْسَ يُوجَدُ غَيْرُهُ لَكِنْ شَدِيدُ ظُهُورِهِ أَخْفَاهُ
مثل النهار يزيد إبصار الورى نورا يعمي أعين الخفاش
(فيكون قوة ظهوره مع ضعف بصره سببا لامتناع إبصاره، فلا يرى شيئا إلا إذا امتزج الضوء بالظلام وضعف ظهوره) وهو قرب الغروب، وفي هذا الوقت ينتشر البعوض يطلب القوت، وهو دماء الإنسان وينتشر الخفاش يطلب البعوض (فكذلك عقولنا ضعيفة) لا شعاع لها (وجمال الحضرة الإلهية في نهاية الإشراق والاستنارة وفي غاية الاستغراق والشمول، حتى لم يشذ عن ظهره ذرة من ملكوت السموات والأرض، فصار ظهوره سبب خفائه، وفي هذا المعنى أنشدني شيخنا المرحوم العارف وجيه الدين عبد الرحمن بن مصطفى العيدروسي الحسني قدس الله سره في ثامن عشر رجب سنة 1133 بالطائف لبعضهم) :ذكر الإله الزم هديت لذكره فيه القلوب تطيب والأفواه
واجعل حلاك تقاه إن أخا التقى يا صاح من كانت حلاه تقاه
واستعمل الأفكار في ملكوته مستغرقا في الكشف عن معناه
ولتخلع النعلين خلع محقق خلى عن الكونين في مسراه
ولتفن حتى عن فنائك إنه عين البقاء وعند ذاك تراه
وإذا بدا فاعلم بأنك لست هو كلا ولا أيضا تكون سواه
شيان ما اتحدا ولكن هاهنا سر يضيق نطاقنا عما هو
يا سامعا ما قد أشرت له أما قلب يفكر ما وعت أذناه
أزل الحجاب حجاب قلبك ينكشف لك سر ما قد غاب عنك سناه
إن الإله أجل ما متعرف من لا يراه قد استبان عماه
أنى يغيب وليس يوجد غيره لكن شديد ظهوره أخفاه